أحمد خليل
إن الوطنية تعني الانتماء إلى رقعة جغرافية والإقامة بها والالتزام بسيادتها، والمواطن في هذه البقعة الجغرافية تكون له حقوق قانونية ودستورية يتم تنظيمها عبر عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الشعب والإدارة بعيداً عن القوموية والدين والمذاهب الدينية التي غالباً ما تؤدي إلى سفك الدماء والتناحر. وفي تجربة الأزمة السورية الكثير من العبر، فالحكومة السورية تتشدق بالحفاظ على سيادة البلد، وتنعت الائتلاف السوري والإدارة الذاتية بالإرهابيين والانفصاليين، فيما يصف الائتلاف السوري نفسه بالوطني وينعت الحكومة السورية بانتهاك سيادة البلاد والإدارة الذاتية بالانفصال، إذن من هو الوطني في الحالة السورية؟
إن الانتماء لبقعة جغرافية يعني الدفاع عنها والالتزام بسيادتها، والحفاظ على مصالح الشعب فيها، فبدون شعب ليس هناك وطن. والحكومة السورية التي تقول بأنها تدافع عن سيادة البلد أحضرت الروس والإيرانيين وتصمت على انتهاكات إسرائيل ولا تتحرك أبداً لإخراج تركيا من الأراضي السورية. فالسيادة لدى الحكومة السورية هو إعادة سيطرتها على جميع البلاد، وهي لم تسعى أبداً لوضع عقد اجتماعي يضمن حقوق جميع المكونات التي تعيش في البلاد.
أما الائتلاف السوري، فهو من ركب الدبابات التركية وتوجه إلى الشمال السوري للسيطرة على المدن الكوردية، وهو من يبرر انتهاك تركيا للسيادة السورية ولم يسعى يوماً لحفظ حقوق السوريين في مناطق سيطرته، فهو لم يتحرك أبداً لضبط الفلتان الأمني وإيقاف عمليات التوطين، وهو لا يعترف بحقوق العلويين والكورد وغيرهم من مكونات الشعب السوري، بل تمسك بطرف يحتل الأراضي السورية وفق القوانين الدولية، وهذا فقط كافٍ للتأكيد على أنه بعيد كل البعد عن الوطنية.
الملفت للانتباه إن كلا الطرفان الحكومة السورية والائتلاف السوري يحاربان الإدارة الذاتية وينعتانها بالانفصالية، فهل صحيح أن هذه الإدارة انفصالية؟
لنعد قليلاً إلى مجريات أحداث الأزمة في سوريا وتصرفات الأطراف الثلاثة لنكتشف من هو الوطني ومن هو الانفصالي. فمنذ بداية الأزمة استعانت قوات الحكومة السورية بإيران وحزب الله ولاحقاً روسيا، من أجل قتل الشعب السوري وذلك بهدف الحفاظ على السلطة، من كانوا يديرون السلطة هم العلويون، فيما كانت بقية مكونات الشعب السوري تعاني الاضطهاد على يدهم.
فصائل المعارضة ومنذ بداية الأزمة، طلبت الدعم من دول الخليج العربي وتركيا لقتال الحكومة السورية، أي أنها طلبت الدعم من المسلمين السنة لقتال العلويين والشيعة، وبذلك، تحولت الثورة السورية إلى صراع على السلطة بين السنة والشيعة، أما بقية السوريين العلمانيين فتعرضوا للهجوم من قبل الطرفين اللذين اتخذا مبدأ: من ليس معي فهو ضدي. فدمرا البلاد بحربهما وتسببا بمقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وتهجيرهم داخلياً وخارجياً. لم يقبل أي منهما الآخر والاثنين معاً لم يقبلا بقية الشعوب التي تعيش في سوريا.
عندما كان الطرفان يتقاتلان، كان هناك نموذج آخر يتطور في جزء صغير من أقصى شمال وشرق البلاد، في المناطق ذات الغالبية الكوردية والتي يعيش فيها الكورد والعرب والسريان والآشور والكلدان والأرمن والشركس والتركمان جنباً إلى جنب.
التكوينة الاجتماعية في هذه المنطقة وتعايش مكوناتها معاً منذ تشكيل الحدود السياسية لسوريا، أجبرهم على الابتعاد عن طرفي الصراع واتخاذ طريق ثالث لهم، فلم يقفوا مع هذا أو ذاك. لأنهم رأوا في مشروع الطرفين المذهبي سبباً سيفتح أبواب جهنم في مناطقهم التي تمتاز بتداخل المكونات فيها.
ومع مرور الوقت، كانت المناطق السورية تتعرض للدمار، كانت شعوب شمال وشرق سوريا تجتمع معاً للوصول إلى نظام إداري يحفظ حقوق الجميع، ويدير المنطقة، فتوصلوا معاً إلى شكل من أشكال الإدارة اللامركزية أطلقوا عليها اسم الإدارة الذاتية.
هذه الإدارة ومن أجل أن تضمن حقوق الجميع، شكلت العقد الاجتماعي الذي يعتبر دستوراً يظهر واجبات المواطن والإدارة وينظم العلاقة بين الشعب نفسه وبينه وبين إدارته، لذلك جاء العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية فريداً من نوعه، فهذه كانت المرة الأولى التي يتم فيها اعتماد ثلاث لغات رسمية بعدما كانت اللغة الرسمية هي العربية والكل مجبر على تعلمها مهما كانت قوميته. ففي شمال وشرق سوريا، يتعلم كل طفل بلغته الام، ويتعلم لغة بقية المكونات التي تعيش معه. بهذا الشكل تشاركت المكونات في إدارة المنطقة وتنظيم حياتهم ووضع القوانين التي تنظمها وشكلوا المؤسسات التي تقدم الخدمات لهم بعيداً عن الفساد الذي كان ينخر مؤسسات الحكومة السورية.
وما يؤكد على وطنية هذه الإدارة هو استقبالها للنازحين السوريين منذ بداية تشكلها عام 2014، حيث يتواجد الآن في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا، نحو مليون نازح من مختلف المناطق السورية.
ومع استمرار معاناة السوريين نتيجة الأزمة منذ 12 عاما، طرحت الإدارة الذاتية مبادرة لحل الأزمة السورية بالتزامن مع الذكرى السنوية لاستقلال سوريا، هذه المبادرة أكدت على وحدة الأراضي السورية وبالتالي أفرغت كل اتهامات الحكومة السورية والائتلاف السوري للإدارة بالانفصال، وأكدت أن الحل سياسي ولا يمكن أن يكون عسكرياً، كما أشارت أن الخيرات الموجودة في شمال وشرق سوريا هي من نصيب جميع السوريين ومدت يد الحوار للجميع من أجل حل الأزمة السورية والحفاظ على من تبقى من سوريين. هذه المبادرة كشفت للجميع كيف أن هذه الإدارة وطنية سورية وبعيدة كل البعد عن الانفصال، وأكدت ذلك أيضاً لاحقاً عندما طرحت في نهاية نيسان مبادرة لاستقبال اللاجئين السوريين الذين ترفض الحكومة السورية عودتهم في يتم إعادتهم في مناطق سيطرة الائتلاف إلى غير مناطقهم الأصلية بغية تغيير ديموغرافية المنطقة، كما أعادت الإدارة الذاتية عدة دفعات من اللاجئين السوريين الذين حوصروا في السودان على خلفية المعارك الدائرة فيها.
إن الدفاع عن السيادة لا يمكن أن يتحقق دون وجود جيش قوي يسعى للدفاع عن الشعب ومصالحه، ولذلك تشكلت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم جميع أطياف الشعب في شمال وشرق سوريا، ودافعت عن السوريين والتراب السوري بوجه تنظيم الدولة الإسلامية وتصدت للهجمات التركية الساعية لاغتصاب الأراضي السورية، على عكس الائتلاف الذي ركب عناصره الدبابات السورية وجاؤوا محتلين للأراضي السورية عوض ان يكونوا محررين، أما قوات الحكومة السورية فباتت متعددة الولاءات منها ما هو موالي لروسيا ومنها ما هو موالي لإيران ومنها ما هو موالي للطائفة.
أثبتت الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، أنها قوى وطنية سورية تعمل من أجل مصلحة سوريا والسوريين، ولذلك فهي تتعرض للهجمات دوماً من قبل الأطراف التي تعادي مصلحة سوريا العليا ومصلحة شعبها وتسعى فقط وراء مصالحها الحزبية والشخصية.
ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع