اسمه الحقيقي مجدي مصطفى نعمة ولكنه معروف خصوصاً باسم إسـ ـلام علوش، وقد ذاعت شهرته بسبب موقعه داخل تنـ ـظيم «جيـ ـش الإسـ ـلام» السوري المعارض الذي كان يسيطر على منطقة الغوطة القريبة من العاصمة السورية بين عامي 2013 و2018. وسبب الحديث عنه اليوم مرده القرار الذي اتخذه قاضيا تحقيق فرنسيان بإرساله إلى المحكمة الجنـ ـائية في باريس بتهـ ـمة «ارتـ ـكاب جـ ـرائم حـ ـرب وتغـ ـييب قسـ ـري». ويعود للمحكمة الجنـ ـائية أن تحدد موعد انطلاق المحاكمة.
وقصة علوش ليست جديدة بل إنها قديمة وجديرة بأن تروى. فالرجل المولود في عام 1988، كان نقيباً في الجيش السوري قبل أن ينشق عنه ويلتحق بـ«جيش الإسلام» الذي كان يقوده زهران علوش. ولكن لا علاقة قربى بين الشخصين، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
وسريعاً، أصبح مجدي مصطفى نعمة باسمه الحركي أحد البارزين في التنظيم لا بل إنه كان أحد أعضاء وفد المعارضة السورية للتفاوض في جنيف. والمعروف عنه أنه كان ناطقاً باسم التنظيم المسلح الذي بلغ عدد مقاتليه، في أوج حضوره في الغوطة الشرقية، ما يزيد على 20 ألف مقاتل وبالتالي كان على علاقة بالإعلام. إلا أنه في بيان نشره عبر «فيسبوك» في 2 (حزيران) 2017، أعلن استقالته «من كافة المهام المعهودة (إليه) في جيش الإسلام والمؤسسات التابعة له»، مؤكداً أن ذلك تم «بعد موافقة القائد العام لجيش الإسلام على الطلب». وجاء في بيانه أيضاً: «أعلن عن إنهاء التعامل باسم إسلام علوش والعودة إلى اسمي الحقيقي مجدي مصطفى نعمة». ولا يخفي علوش، في متن رسالته، أنه كان يشغل «مناصب أخرى» في إطار «جيش الإسلام» ولكن من غير أن يحدد طبيعتها.
بعد أن تمكنت قوات الحكومة السورية من السيطرة على الغوطة الشرقية وأشهر مدنها دوما، غاب علوش عن النظر منتقلاً إلى تركيا ليظهر على الأراضي الفرنسية وتحديداً في مرسيليا طالباً في أحد معاهدها، وذلك بفضل منحة تسمى «إيرسموس» لتبادل الطلاب وبتأشيرة طالب.
إلا أن القوى الأمنية ألقت القبض عليه يوم 29 (كانون الثاني) عام 2020. وبعد يومين فقط من توقيفه، وجه إليه القضاء الفرنسي تهم ارتكاب جرائم حرب وتعذيب والتواطؤ في حالات اختفاء قسري، حيث إن «جيش الإسلام» متهم بالمسؤولية عن اختفاء الناشطة السورية المعروفة رزان زيتونة الحائزة على جائزة زاخاورف لحقوق الإنسان في 10 (كانون الأول) عام 2013، يوم كان «جيش الإسلام» يسيطر على الغوطة الشرقية. كذلك اختفى، في اليوم نفسه، ثلاثة آخرون هم وائل حمادة، زوج رزان زيتونة، وسميرة الخليل والمحامي ناظم الحمادي، والأربعة قبض عليهم في الوقت نفسه.
منذ القبض عليه وتوقيفه، ثابر مجدي نعمة على نفي التهم الموجهة إليه، مؤكداً أن دوره داخل «جيش الإسلام» كان مقصوراً على التحدث باسمه. وقدم فريق الدفاع عنه طعناً بالتهم المنسوبة إلى موكله.
بيد أن محكمة الاستئناف في باريس رفضت، في 6 (نيسان) من العام الماضي، الطعون بالتهم من جهة، كما رفضت، من جهة ثانية، الطعن بالقضاء الفرنسي لجهة الاختصاص للنظر في التهم الموجهة لنعمة.
وكان فريق الدفاع قد استند إلى قرار الشعبة الجنائية في محكمة النقض الفرنسية الذي تبنى تفسيراً صارماً لمعيار التجريم المزدوج، وأفتى بعدم اختصاص القضاء الفرنسي في القضايا المتعلقة بجرائم الحرب التي ارتكبت في سوريا على أساس أن الدولة السورية لم تصادق على نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية، وأن سوريا لا تجرم الجرائم ضد الإنسانية في تشريعاتها المحلية.
وكانت عائلة زيتونة وثلاث منظمات هي «الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان» و«المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» و«رابطة حقوق الإنسان» تقدمت بشكوى ضد «جيش الإسلام» لدى قسم الجرائم ضد الإنسانية في النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب في فرنسا بشأن «أعمال تعذيب» و«حالات اختفاء قسري» و«جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب» بين 2012 و(نيسان) 2018. وبعد حوالي ثلاث سنوات من البحث المضني، تمكنوا من إبلاغ السلطات الفرنسية في (كانون الثاني) بوجود الناطق السابق للجماعة في جنوب فرنسا.
وأكدت المنظمات الثلاث وقتها، في بيان مشترك، أن علوش هو «أحد قياديي جيش الإسلام» وليس فقط ناطقاً باسمه كما يدعي. ونقلت صحيفة «لو موند» المستقلة في عددها ليوم أمس عن كليمانس بكتارت، المحامية المتخصصة بالقانون الجنائي الدولي ومنسقة المسائل القانونية في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أن ما يؤخذ على علوش «ليس فقط دوره كناطق باسم التنظيم، كما يقول الدفاع عنه، بل دوره كأحد كادرات مخابراته، حيث إن التحقيق يعده مستشاراً استراتيجياً وعسكرياً لقيادة جيش الإسلام». وعملياً وقانونياً، يؤخذ على علوش، بحسب الطرف المناوئ له، دوره في التغييب القسري وفي جرائم الحرب وأعمال التعذيب فضلا عن استهداف المدنيين بأعمال حربية وتجنيد أطفال للقتال في صفوف تنظيمه.
وللمرة الأولى يلاحق في فرنسا أحد كبار كادرات «جيش الإسلام» بالاستناد إلى «الولاية القضائية العالمية» العابرة للحدود التي تطبقها أربع دول أوروبية هي فرنسا وألمانيا والسويد وإسبانيا. والتهم التي تستند إليها هذه «الولاية» تتناول جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وتجدر الإشارة إلى أن أفراداً كباراً من الحكومة السورية ملاحقون في فرنسا وألمانيا. ومن المرتقب أن تحصل في باريس، في (أيار) من العام القادم، محاكمة ثلاث شخصيات من أفرع الأمن لدى الحكومة السورية، هم علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام محمود أمام المحكمة الجنائية في العاصمة الفرنسية.