تعاني مدينة الحسكة وأريافها التي يقطنها نحو مليون نسمة، من أزمة مياه خانقة، دفعت مديرية المياه في المدينة لإعلانها منطقة منكوبة، جراء استمرار تركيا وفصائل الجيش الوطني قطع المياه عنها، وسط تحكم أصحاب الصهاريج بأسعار بيعها على أهوائهم، وعليه طالب الأهالي مديرية المياه بمزيد من الرقابة وإيجاد طرق تساهم في تأمين حاجة الأهالي من المياه في فصل الصيف الحار، أو الاستقالة وفتح المجال أمام آخرين لحل المشكلة.
ومنذ شهر آب من العام الفائت، تقطع تركيا مياه محطة علوك لمياه الشرب الواقعة في ريف مدينة رأس العين الخاضعة لسيطرتها منذ عام 2019، عن نحو مليون نسمة يعيشون في مدينة الحسكة وريفها، حيث تستخدم تركيا المياه كسلاح حرب ضد السوريين عبر تقليلها من تدفق نهر الفرات أيضاً ما يسبب مشاكل للملايين من السوريين في فصل الصيف حيث درجات الحرارة العالية وازدياد الحاجة إلى المياه النظيفة.
هذا القطع المستمر لمياه محطة أجبر بلدية الحسكة ومديرية المياه لوضع صهاريج مياه في الخدمة لنقل المياه بأسعار رمزية إلى المواطنين، كانت في البداية تبيع خزان الماء سعة ألف لتر بسعر 3 آلاف ليرة سورية، ثم رفعته إلى 5 آلاف، ولكن العدد القليل والبالغ نحو 50 صهريج لا يستطيع تغطية حاجة الأهالي خصوصاً في فصل الصيف حيث الحاجة الزائدة من مياه الشرب.
وفي الوقت الذي يشيد فيه الأهالي بالأسعار الرمزية لسعر مبيع المياه، إلا أنهم يشتكون من هذه الصهاريج لعدة أسباب، يسردها المواطن (أبو محمد) من حي الصالحية، قائلاً: “صهاريج المياه الخاصة بمديرية المياه والبلدية لا تزود جميع الأهالي بالمياه، بل تعبئة المياه يرتبط بمدى معرفتك بسائق الصهريج والعاملين في تلك المؤسسات”، مشيراً أن الأولوية هي لمنازل موظفي هذه المؤسسات وأقاربهم في الحصول على المياه الرخيصة النظيفة التي توفرها البلدية ومديرية المياه.
مؤكداً أن الفقراء يبقون محرومين منها، مشيراً أنه في الكثير من الأحيان يزور الصهريج أحد الكومينات ويفرغ حمولته لعدد محدد من المنازل ويترك الآخرين ويتوجه إلى كومين آخر، خصوصاً أن لم يكن هناك من يراقبهم من أعضاء لجان الخدمات في الكومينات أو في حال استخدم عضو لجنة خدمات الكومين المحسوبية في عملية التوزيع.
وأمام عدم تغطية صهاريج المياه العائدة للبلدية ومديرية المياه لحاجة الأهالي من مياه الشرب، يضطر الغالبية العظمى من السكان إلى الاعتماد على مياه الصهاريج الخاصة، وهنا تصادفهم العديد من المشكلات أيضاً.
وفي السياق يقول الأستاذ أحمد من حي تل حجر إن المشكلة الأساسية التي تواجههم هي عدم معرفتهم إن كان مصدر المياه تلك موثوقاً أو لا، وفيما إذا كان الصهريج يستوفي شروط النظافة والتعقيم لتأمين مياه شرب نظيفة، مشيراً أنه في كل صيف يتم تسجيل عدد متزايد من التهابات الأمعاء خصوصاً بالنسبة للأطفال بسبب المياه غير النظيفة.
كما يشتكي الأهالي من تحكم أصحاب الصهاريج بأسعار المياه، ففي فصل الشتاء كان سعر خزان المياه سعة ألف لتر، 8 آلاف ليرة سورية، ليرتفع في الربيع إلى 10 آلاف ليرة وفي بداية الصيف إلى 12 ألف، أما الآن فيتم بيع خزان المياه بسعر 15 ألف ليرة سورية.
وفي هذا الإطار يقول جمعة محمد وهو مواطن من حي المفتي، أن العائلة الواحدة تحتاج شهرياً في فصل الصيف إلى 10 خزانات مياه، وهذا يجعل العائلة تحتاج إلى 150 ألف ليرة سورية للمياه النظيفة فقط.
ومن جانبها تقول إم أحلام وهي أرملة من الحي ذاته، بأنه لا معيل لهم، ولذلك يضطرون لاستخدام المياه المالحة في أعمال الغسيل والتنظيف، ويشترون المياه فقط للشرب، مشيراً أنهم كثيراً ما يعانون من اضطرابات معوية نتيجة استخدام المياه المالحة في غسل الصحون والأواني المنزلية، فضلاً عن الضرر الكبير الذي تسببه هذه المياه للغسالات والألبسة على حد سواء.
وتضيف أن الملابس تتلون ببقع بيضاء بعد عمليات الغسيل نتيجة الأملاح الزائدة الموجودة في المياه.
والمياه الجوفية في مدينة الحسكة إما أن تكون مالحة أو مرة وكلاهما غير صالحان للشرب.
ومؤخراً يرفض أصحاب صهاريج المياه تعبئة المياه للأشخاص الذين كانوا يتعاملون معهم سابقاً، فدائماً ما تكون هواتفهم خارج التغطية ولا يردون على اتصالات العائلات التي كانت تتعامل معهم في وقت سابق.
وفي السياق يشير الأستاذ عدنان من حي تل حجر، بأنهم كانوا يتعاملون مع صهريج واحد للحصول على المياه، ولكن مؤخراً مع اشتداد أزمة المياه، فأنه هاتف صاحب الصهريج خارج التغطية أو أنه يتحجج بتعطل الصهريج وعدم تواجده في المدينة، وذلك كنوع من التهرب لتعبئة المياه له.
مشيراً أنه ليس الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة، بل أن الكثير من العائلات باتت تعاني من هذه المشكلة، لافتاً أن أصحاب الصهاريج رفعوا سعر تعبئة المياه وباتوا يستغلون حاجة الناس إلى المياه لبيعها بالأسعار التي يرغبون بها، ولكي لا يتعرضوا للإحراج يسوقون تلك الحجج، ولكنهم في الحقيقة يتوجهون إلى أحياء أخرى غير الأحياء التي كانوا يتعاملون معها سابقاً وذلك من أجل بيع المياه بالسعر الذي يرغبون به.
وفي هذا الإطار قال أبو أحمد وهو موظف لدى الإدارة الذاتية بأنه يخرج في ساعات الصباح الباكر ويعود بعد الساعة الثالثة عصراً، ولذلك يضطر للبحث عن أي صهريج من أجل تعبئة المياه وبأي سعر كان، مشيراً أن وقف ساعات في دوار الحمامة من أجل توقيف صهريج عله يعبأ له المياه، والجميع كان يرفض تعبئة المياه له إلى أن توقف أحدهم وقال إن سعر خزان المياه سعة ألف لتر هو 20 ألف ليرة سورية، وهو كان مجبراً لأن المياه كانت مفقودة في المنزل فاضطر لتعبئة خزان واحد بهذا السعر.
ولفت إلى أنه يجب على البلدية ومديرية المياه إيجاد حل لمشكلة تحكم أصحاب الصهاريج بالأسعار رغم أن الإدارة الذاتية توفر لهم المحروقات بأسعار مخفضة لضمان عدم بيع المياه بأسعار عالية للمواطنين.
ومن جانبه يقول محمد وهو مهندس زراعي، بأنه على البلدية ومديرية المياه زيادة الرقابة فيما يخص موضوع المياه، مشيراً أنه أولاً على البلديات منع موظفيها من استخدام منصبهم أو عملهم ضمن هذه المؤسسة للاستفادة من المياه دون غيرهم ومراقبة سائقي الصهاريج عبر وضع أجهزة تحدد أماكن تنقلهم مثل أجهزة جي بي اس التي ستكشف خريطة تنقل الصهريج في اليوم الواحد، ويمكن مراقبته من المركز ومعرفة الخط الذي يسلكه السائق وبهذه الطريقة يمنع احتكار المياه من قبل السائقين والعاملين في تلك المؤسسات واستخدام الآليات التي تخدم الشعب في خدمة أشخاص محددين دون غيرهم.
وأكد أن على مسؤولي هذه المؤسسات في مدينة الحسكة، بإيجاد حل سريع وعاجل لأصحاب الصهاريج الخاصة من خلال زيارة الرقابة عليهم، وبأي طريقة كانت من أجل منعهم من بيع المياه بأسعار عالية للمواطنين الذين يتحملون الظروف الصعبة وبقوا متمسكين بأرضهم، وإلا فأن عليهم أن يستقيلوا ويفسحوا المجال أمام أشخاص أخرين أكثر كفؤاً لتدارك الموقف.
وأكد في الختام أن الإدارة الذاتية لم تخذل سكان المنطقة أبداً ودوماً تراعي مصالح الشعب لأنها سبق وأن تراجعت عن قرارات اتخذتها ورأت أنها ليست في مصلحة الشعب، كونها إدارة منبثقة من الشعب ذاته، وأنها دوماً تراعي الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة وأوضاع مواطنيها وهذا ما كان جلياً في تحديد تسعيرة القمح بسعر أعلى من بقية المناطق السورية وهذا ما خلق الراحة للمزارعين، وقال بأنها يجب أن تتحرك بشكل عاجل لخلق الراحة لدى السكان في موضوع المياه أيضاً عبر حلول سريعة وناجعة كون تركيا “دولة محتلة” ولا يتوقع منها أن تزود المنطقة بالمياه والحكومة السورية لا يهمها الشعب ووضعه بدلالة أن الأوضاع في المربع الأمني يرثى لها بالنسبة للخدمات، أما الأمم المتحدة والمنظمات فهي محتكرة من قبل أشخاص محددين يستخدمون تلك المؤسسات لإثراء أنفسهم وهم بعيدون كل البعد عن المبادئ التي يدعون أنهم تأسسوا من أجلها.