في تحرك ذي دلالة سياسية في سياق التقارب المتسارع مع مصر، بدأت السلطات التركية حمـ ـلة توقـ ـيف بحق العشرات من شباب تنـ ـظيم “الإخـ ـوان” المقيمين على أراضيها منذ سنوات، بينما تقرر عدم تجديد إقامة الكثير من العنـ ـاصر الإخـ ـوانية، وهو ما يعني ضرورة مغادرتهم الأراضي التركية في غضون أسابيع.
تزامنت تلك الإجراءات مع تكرار رفض السلطات التركية منح عدد من قيادات محسوبة على التنظيم الجنسية التركية، وهو إجراء لجأت إليه أنقرة مراراً في سنوات سابقة لتوفير حصانة للكثير من قيادات «الإخوان» المدانين بأحكام جنائية في مصر، يصل بعضها إلى الإعدام.
وكشفت تقارير إعلامية أن السلطات التركية كثفت من حملاتها ومداهماتها خلال الأيام الأخيرة ضد عناصر «الإخوان» المقيمين في البلاد، وقامت باحتجاز نحو 60 عنصراً إخوانياً، لا يحملون هويات أو إقامات أو جنسيات، بينما جرى بالفعل ترحيل نحو 7 من هؤلاء العناصر إلى دول مجاورة، كما قررت أنقرة إيقاف عمليات التجنيس والإقامات الإنسانية، والتنبيه على قيادات الجماعة بوقف استقدام أي عناصر أخرى للبلاد.
ونقل موقع «العربية» عن مصادر تركية أن السلطات التركية «تعتزم ترحيل وطرد جميع من تصفهم بالمهاجرين غير الشرعيين خلال 5 شهور فقط»، كما فرضت قيوداً جديدة على أنشطة جماعة «الإخوان»، وطالبت قياداتها بوقف أي أنشطة لها ضد مصر من داخل الأراضي التركية.
تتزامن تلك التحركات مع تسارع وتيرة التقارب بين مصر وتركيا، إذ أعلنت وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء الماضي، ترفيع علاقاتهما الدبلوماسية لمستوى السفراء، وجرت تسمية السفراء في البلدين، وذلك بعد 10 سنوات من القطيعة والتوتر السياسي على خلفية دعم أنقرة تنظيم «الإخوان»، بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي من الحكم عقب تظاهرات شعبية حاشدة عام 2013.
وكانت وسائل إعلام تركية قد نقلت تأكيدات وزير الداخلية التركي الجديد، علي يرلي كايا، أن أجهزة الأمن والشرطة كثفت عمليات التفتيش بشأن من وصفهم بـ«المهاجرين غير الشرعيين» الأسبوع الماضي في ولاية إسطنبول بشكل خاص، وبقية الولايات التركية بشكل عام.
وعدّ كرم سعيد الباحث في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الإجراءات التركية بحق عناصر «الإخوان» على أراضيها «أمراً متوقعا»، بل أشار إلى أن ثمة إجراءات متصاعدة رجح أن تلجأ إليها السلطات التركية في هذا الصدد «تصل إلى التفكير في سحب الجنسية من قيادات التنظيم الذين حصلوا عليها في سنوات سابقة».
وفسر سعيد لـ«الشرق الأوسط» ما ذهب إليه بالاستناد إلى جملة من العوامل، أبرزها التقارب التركي مع مصر سياسياً واقتصادياً، والاعتماد اللافت على الغاز المصري في ظل استمرار العقوبات الغربية على روسيا، فضلاً على إدراك السلطات التركية أن مصر دولة محورية لبناء علاقات طبيعية مع الإقليم، خصوصاً مع الدول التي تمثل أهمية اقتصادية لتركيا حالياً مثل السعودية والإمارات، وجميعها دول «لديها حساسية تجاه الدعم التركي لـ(الإخوان)».
إلا أن الباحث في الشؤون التركية يذهب كذلك إلى وجود أسباب تتعلق بإدراك أنقرة أن «ورقة (الإخوان) احترقت تماماً، ولم تعد تمثل عنصر ضغط على السياسة المصرية»، فضلاً على جملة من التحولات المتعلقة برغبة القيادة التركية في إرضاء التيار القومي، الذي أظهر قوة وتأثيراً لافتين في الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرة، وهذا التيار كانت له كلمة الحسم لصالح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في جولة الإعادة.
وأوضح سعيد أن «لدى القوميين الأتراك مواقف مناوئة للمهاجرين غير الشرعيين بشكل عام، ولاستضافة تركيا عناصر إسلامية على وجه الخصوص»، مشيراً إلى أن القيادة التركية «تريد استرضاء هذا التيار قبيل الانتخابات المحلية التي تمثل أهمية خاصة في المرحلة المقبلة».
وبينما يتفق محسن عوض الله، الباحث المصري في الشؤون التركية، مع فكرة أن الإجراءات التركية الأخيرة بحق عناصر إخوانية تأتي في سياق «مغازلة القاهرة»، إلا أنه يشير أيضاً إلى أن العناصر المقيمة حالياً على الأراضي التركية باتت «مستسلمة تماماً للتوجيهات التركية، بينما جرى إبعاد من لم يلتزموا بنهج التهدئة مع مصر، وخصوصاً من الإعلاميين».
ويذهب عوض الله في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بقية العناصر الموجودة حالياً على الأراضي التركية «لا تخدم السياسة التركية بل صارت عبئاً عليها، وهو ما يعجّل بالتخلص منهم لخدمة أهداف بعضها داخلي، ومعظمها يتعلق بالتحولات البراغماتية في السياسة التركية مع الدول العربية الفاعلة في العامين الأخيرين».
ويرى الباحث في الشؤون التركية أن «جبهة إسطنبول الإخوانية لم ترفع صوتاً للتعليق على التقارب المصري التركي»، ويضيف أن بعض قيادات التنظيم ممن حصلوا على الجنسية التركية «باتوا أكثر انغماساً في السياسة التركية، ويتجنبون الخوض في القضايا السياسية المتعلقة بـ(الإخوان) أو بمصر»، مشيراً إلى أن الكثير من هؤلاء حاولوا تقديم أنفسهم خلال الانتخابات التركية الأخيرة كـ«أذرع دعائية» لحزب «العدالة والتنمية» التركي، وليس لـ«الإخوان».
ورفضت السلطات التركية بالفعل خلال الآونة الأخيرة منح الجنسية عدداً من العناصر الإخوانية، منهم إسلام الغمري ومصطفى البدري ومحمد إلهامي، كما رفضت قبل أسابيع منح الجنسية للداعية الإخواني المدان بالإعدام في مصر، وجدي غنيم، الذي أعرب في تسجيل مصور عن خيبة أمله إزاء القرار، الذي جاء بعد سنوات من إقامته في تركيا عقب ترحيله من قطر.
ولا تتوافر تقديرات رسمية لعدد العناصر الإخوانية المقيمة على الأراضي التركية، إلا أن بعض التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن العدد يصل إلى نحو 5 آلاف، منهم نحو ألفي شخص حصلوا على الجنسية التركية أو الإقامة بطريقة رسمية، فيما لا يزال الباقون يقيمون بصورة غير رسمية، ويصنفون من قبل السلطات التركية على أنهم «مهاجرون غير شرعيين».
وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها السلطات التركية إجراءات بحق العناصر الإخوانية الموجودة على أراضيها، إذ بدأت مجموعة من الإجراءات وصلت إلى اعتقال بعض الإعلاميين المحسوبين على الجماعة منذ انطلقت المباحثات الاستكشافية مع مصر عام 2021، كما ألقت القبض على العشرات منهم، واقتادتهم للتحقيق معهم بعد ثبوت تورطهم في استغلال حساباتهم على مواقع التواصل للدعوة لتظاهرات في مصر العام الماضي.
وشهدت العلاقات المصرية التركية انفراجة كبيرة عقب لقاء الرئيسين المصري والتركي على هامش حضورهما افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتسارعت وتيرة التقارب بين البلدين عقب الزلزال الذي ضرب الأراضي التركية والسورية في فبراير (شباط) الماضي، إذ سارعت القاهرة لتقديم مساعدات إغاثية، واتصل الرئيس المصري بنظيره التركي للتعزية، كما تبادل وزيرا الخارجية في البلدين الزيارات.