يعاني نحو مليون شخص في مدينة الحسكة وريفها، شمال وشرق سوريا أزمةً خانقة بسبب قطع تركيا لمياه محطة علوك الواقعة في قرية علوك شرقي مدينة رأس العين بنحو 5 كيلومترات والتي تغذي الحسكة بمياه الشرب وسط كارثة إنسانية وشيكة خاصةً مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة.
ومنذ أن سيطرت القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها، على منطقة رأس العين في أكتوبر / تشرين الأول 2019، قطعت تركيا المياه عشرات المرات عن مدينة الحسكة السوريّة وريفها التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة، إذ تعتبر هذه المحطة الوحيدة التي تغذي مدينة الحسكة وريفها كون المياه الجوفية في هذه المناطق مالحة غير قابلة للشرب، ضاربةً بعرض الحائط حقوق الإنسان وكافة المواثيق والاتفاقيات التي أكّدت بشكلٍ مباشر وغير مباشر على حق الفرد في المياه، متجاهلةً حقيقة أنّ المياه عنصر أساسيّ للاستمرار وأنها عامل حيوي للتمتع بكافة الحقوق الأخرى التي نصت عليها القوانيين والمعاهدات.
جريمة حرب
وتعتبر عملية قطع المياه هي نوعٌ من أنواع جرائم الحرب من وجهة النظر القانونيّة، وهي تخالف اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية 1948 والتي منعت بموجب الفقرة (ب) من المادة 2، إلحاق الأذى، ومنعت أيّ فعلٍ من شأنه أن يُحدث تدميراً كلياً أو جزئياً، فعاقبت بموجب المادة 3 المرتكِب والمتآمِر والمحرِّض والمحاوِل والمشترِك أمام المحاكم المحليّة المختصّة أو الدولية المعتمدة.
كما أن المحكمة الجنائية الدولية قد اعتبرت في نظامها الأساسي المعتمد في روما 1998 في المادة 6 أنّ قتل الأفراد أو إلحاق الضرر بهم أو إخضاعهم لأحوالٍ معيشيّة بقصد الإهلاك هو إبادةٌ جماعيةٌ، واعتبر في المادة 7 أنّ كل فعل موجّه ضد مجموعة من السكان المدنيين هو إبادة، وأما في المادة /8/ فيُعدّ تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين من جرائم الحرب.
الحسكة منطقة «منكوبة»
والاثنين الفائت، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، منطقتي الحسكة وتل تمر وأريافها ومخيمات النازحين فيها، منطقة “منكوبة“، لقطع تركيا المياه عنها “بتواطؤ روسي وحكومي”.
وقالت مديرية مياه الشرب في مدينة الحسكة، في بيان تمت قراءته بمبناها في حي العزيزية، إنها لا تملك الكثير من الخيارات في وقت لا ينفع فيه سوى الاستعجال في جهود درء تبعات الأزمة عن الأهالي.
وأضاف البيان أن بعض السكان لا يحصلون حتى على المياه الملوثة من مصادر غير آمنة ووسط استغلال حاجتهم من جانب البعض.
وفشلت آخر وساطة قامت بها منظمتا الصليب الأحمر واليونيسيف في يونيو / حزيران الفائت، في ضمان استمرار اتفاق بين الإدارة الذاتية وتركيا لتشغيل محطة علوك وتغذية تل تمر والحسكة بالمياه الصالحة للشرب.
وحمّلت الإدارة الذاتية روسيا وتركيا والحكومة السورية مسؤولية معاناة الأهالي بسبب سعيهم لإفشال مشروع الإدارة الذاتية، بينما لم تتخذ الولايات المتحدة موقفاً من القضية حتى الآن، بحسب البيان.
تركيا تستخدم المياه سلاحاً
وحول قطع تركيا مياه محطة علوك عن نحو مليون نسمة في الحسكة، قال نيكولاس هاريس، المبعوث الدنماركي الخاص للصراع في سوريا، إن “تركيا تريد ممارسة أقصى قدر من الضغط على الإدارة الذاتية، وستستخدم المياه كنقطة ضغط، لأنها تريد إضعاف دعم السكان في شمال شرقي سوريا للإدارة الذاتية”، وأضاف لنورث برس: “تركيا تريد إجبار الإدارة على الاستسلام لمطالبها”.
وأشار هاريس في تصريح لوكالة نورث برس، إلى أن الأتراك يعتقدون أن الحد من تدفق المياه من بلادهم إلى سوريا “سيضعف الإدارة الذاتية، وهذا قد يجبر الأميركيين على اتخاذ إجراءات ضد تركيا”.
وأجمع باحثون في الشأن السوري، على أن تركيا تستخدم ورقة المياه للضغط على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لإضعافها وإرغامها على الخضوع، في ظل صمتٍ دولي تجاه ما يعتبره مسؤولو المنطقة انتهاكاً لحقوق الإنسان عبر توظيف تركيا وسائل يحظرها القانون الدولي الإنساني ويعدها خرقاً لأحكامه.
ورغم وجود روسيا كضامن في المنطقة، إلا أنها لا تضغط على تركيا لإعادة ضخ مياه المحطة إلى المنطقة، كما أن الأمم المتحدة ومنظماتها التي تتشدق بحقوق الإنسان تتغاضى عن هذه الجريمة التي ترتكبها تركيا والتي ترتقي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.
الحسكة تموت عطشاً
وكان نشطاء ومواطنون أطقلوا حملة “مليون إنسان بدون مياه – الحسكة تموت عطشاً”.
وتهدف حملة الهاشتاغ لتسليط الضوء على معاناة نحو مليون شخص يعيشون في الحسكة وريفها، وخصوصاً مع قدوم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، علاوة على ارتفاع سعر مياه الشرب التي يتم شراءها من الصهاريج.
ويبلغ سعر خزان المياه سعة 5 براميل، 12 ألف ليرة سورية، ووسطياً تحتاج العائلة إلى خزان مياه كل يومين، أي أنها بحاجة 15 خزان شهرياً يبلغ سعرها 180 ألف ليرة سورية.
كما جدد الأهالي مناشدتهم للمنظمات والجهات الدولية والإدارة الذاتية لإيجاد حل عاجل بخصوص استمرار انقطاع المياه في المنطقة في ظل فصل الصيف.