منذ أن بدأت تركيا بتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، بدأت الأصوات ترتفع ضمن الفصـ ـائل الموالية لها في الشمال السوري وخصوصاً من العرب السنة، التي ترفـ ـض هذا التطبيع وترى نهاية طريق التطبيع بأنه سيكون على حساب حياتهم ومصالح الشعب السوري، لذلك بدأ ينتشر الحديث بين أوساط العنـ ـاصر التوجه إلى مناطق الإدارة الذاتية والانضمام إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية.
منذ أيار العام الماضي، أطلق النظام التركي التصريحات حول بدء تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، ومع مرور الأيام طلبت أنقرة مساعدة موسكو في هذا الأمر التي ساهمت في عقد لقاءات على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات بين حكومتي دمشق وأنقرة، ومع دخول العام الجاري، تطورت هذه العلاقات برعاية موسكو لتصل إلى لقاءات على المستوى السياسي سواء بين نواب وزراء الخارجية أو وزراء الخارجية أنفسهم.
فأنقرة اليوم ماضية في تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، وبالتزامن مع لقاءاتها مع الأخيرة، بدأت بخطو خطوات على أرض الواقع من خلال عقد الاجتماعات مع قادة الفصائل التركمانية واستثناء قادة الفصائل السنية من تلك الاجتماعات.
تسربت الكثير من المعلومات عن تلك الاجتماعات، والتي كان أهمها أن تركيا أوعزت للفصائل التركمانية بالاستعداد للمصالحة مع الحكومة السورية لضمان مستقبل لهم ضمن سوريا المستقبل، في حين تم استثناء الفصائل السنية من هذه المصالحة في ظل إصرار حكومة دمشق على ضرورة تحديد تركيا للفصائل التي ستتخلى عن دعمها وسيتم تسليمها للحكومة السورية.
وفعلاً خلال الفترة الماضية بدأت تركيا بتسليم عدد من المعارضين للحكومة السورية سواء كانوا ضباط أو مقربين من قادات الائتلاف السوري للحكومة السورية عبر قطر أو بطريقة مباشرة من خلال الأجهزة الاستخباراتية.
هذه التحركات التي تقوم بها تركيا، لم تغب عن عناصر فصائل الجيش الوطني خصوصاً من العرب السنّة منهم والذين باتوا يدركون أنهم مستهدفون من هذه المصالحة، خصوصاً أن هيئة تحرير الشام أيضاً بدأت بشن حملات دهم واعتقال طالت نشطاء ومواطنين بدأوا بانتقاد المصالحة بين أنقرة ودمشق.
ومؤخراً بدأ الحديث في أروقة فصائل الجيش الوطني من العرب السنّة، بأن تركيا تنوي التوقف عن دعمهم خصوصاً أنها بدأت بتأخير رواتبهم الشهرية في حين أنها ترسلها بانتظام للفصائل التركمانية. ويشير العديد من العناصر بأن التعامل التركي بدأ يختلف معهم ولكنها تحاول تطمينهم من خلال أجهزتها الاستخباراتية ومسؤولي حكومتها بأنها لن تتخلى عنهم، ولكن التعامل المختلف يشي بعكس ما يقولونه.
وبدأ العديد من العناصر بالتفكير بشكل مطول بالسياسات التركية، وباتوا يدركون أن تركيا لم تعمل من أجل السوريين وثورتهم، بل عملت على استغلالهم أشد استغلال من أجل تحقيق مصالحها.
وفي السياق، يقول عنصر من الجيش الوطني لـ “فوكس بريس”، إنه أثناء بداية الثورة ظن الجميع أن تركيا هي حليف موثوق لأنها فتحت معسكرات تدريب للمقاتلين على أراضيها وأرسلت الأسلحة والذخيرة والمساعدات الإنسانية والطبية، وفتحت أبواب مستشفياتها أمام الجيش الحر.
مشيراً أن تركيا عندما بدأت بتجميع الفصائل في الجيش الوطني، ظن الجميع أنها تهدف لتوحيد الفصائل في ظل التناحر والخلافات المستمرة، مستدركاً بأنه اكتشفوا لاحقاً بأن الغاية كانت فرض سطوة الفصائل التركمانية على بقية المفاصل من خلال دعمها بالمال والسلاح والمميزات من أجل استقطاب المقاتلين من الفصائل السنية العربية، وبذلك باتت الفصائل التركمانية صاحبة الكلام الفصل ضمن الجيش الوطني، أما العناصر العرب السنة فتحولوا إلى أداة يخدمون التركمان، حيث تم إرسالهم إلى ليبيا في حين بقي قادتهم التركمان في النعيم ويستولون على الرواتب التي تدفع لهم.
ويؤكد العنصر الذي لم يستطع الإفصاح عن اسمه خشية التعرض للقتل، بأنه عندما بدأت أنقرة بتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، بدأت الأصوات ترتفع بين العناصر من الغاية التركية من هذه الخطوة خصوصاً أن الرئيس التركي أردوغان كان يصرح بأنه لن يصالح بشار الأسد وأنه لن يطبع العلاقات مع نظام مجرم قتل شعبه. لافتاً أن العناصر بدأوا يتحدثون عن الكيفية التي خسروا فيها أهلهم ومنازلهم وأراضيهم وكيف أنهم استوطنوا في مساكن سوريين آخرين بناء على رغبات أنقرة.
ويقول هذا العنصر الذي كان متواجداً في الغوطة الشرقية، بأن روسيا وقوات الحكومة السورية لم تكن قادرة على السيطرة على تلك المنطقة لو لم يأمرهم قادتهم بالاستسلام والانسحاب إلى الشمال السوري، مشيراً أن كل شيء كان جاهزاً للمقاومة على مدار سنوات دون أن تتمكن القوات السورية من السيطرة على تلك المنطقة والتي حدثت بناء على صفقة تركية روسية.
ويتابع حديثه، بأنه ما جرى بعد ذلك، هو توقف تام للجبهات مع قوات الحكومة السورية والتوجه نحو الكورد بحجة أنهم إرهابيين، وقال إنهم عرفوا الكورد على الدوام بأنه شعب مسالم لا يهاجم أحداً وهو لم يهاجم تركيا يوماً، ولكن تركيا وجهت سلاح الثوار السوريين نحو أبناء الشعب السوري، مشيراً أن تركيا قد خلقت شرخاً بين العرب والكورد من خلال أوامرها للفصائل بشن الهجمات على الكورد الذين كانوا السباقين في الخروج على النظام السوري.
ويشير أن الكثير من العناصر باتوا يدركون اليوم سبب دعم تركيا لهم وأهدافها، وقال بأنهم باتوا على يقين بأن تركيا ستتخلى عنهم في يوم من الأيام وهذه الأيام تقترب أكثر كلما تطورت علاقات التطبيع بين أنقرة ودمشق، ولذلك بدأت العناصر يتناقشون فيما بينهم عن الطرق التي يمكن أن ينجوا فيها من مصير محتوم وهو الاعتقال والتغييب على أيدي أجهزة الحكومة السورية بعد أن تسلمهم لها تركيا.
ويؤكد أن الكثير من العناصر يتحدثون فيما بينهم بأنهم طريق الخلاص هو التوجه إلى مناطق شمال وشرق سوريا والانضمام إلى قوات سوريا الديمقراطية، حيث يعيش هناك الجميع مع بعضهم البعض وكل شيء يسير وفق القوانين ولا سطوة لاحد على أحد والجميع متساوون والعرب والكورد هناك يعيشون معاً دون أي خلافات وتتوفر مقومات الحياة هناك.