أكملت روسيا وتركيا وإيران التحضيرات لعقد حلقة جديدة من مسلسل أستانا حول سوريا في العاصمة الكازاخية. وأعلنت وزارة خارجية كازاخستان أن الجولة سوف تنطلق الأربعاء.
وينتظر وصول وفود البلدان المشاركة الثلاثاء، ووفقاً لمصادر دبلوماسية كازاخية تشارك في هذه الجولة وفود روسيا وتركيا وإيران على مستوى نواب وزراء الخارجية، بينما ينتظر أن يحضر وفد حكومي سوري برئاسة مساعد وزير الخارجية أيمن سوسان، كما تحدثت المصادر عن مشاركة وفد المعارضة السورية المدعومة من جانب تركيا.
وأفادت المصادر الكازاخية بأن التركيز ينصبّ خلال المفاوضات على تعزيز إجراءات الثقة، بما في ذلك على صعيد تبادل الأسرى والمعتقلين، ومناقشة الملفات الإنسانية ومسائل عبور المساعدات الدولية.
لكن التركيز الروسي بدا في المقابل منصبّاً على محور آخر ينتظر أن يشكل العنصر الرئيسي للحوارات. وهو الأمر الذي أوضحه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي أكد أن نواب وزراء خارجية روسيا والحكومة السورية وتركيا وإيران، سوف يعقدون اجتماعاً في إطار أستانا يركز على مناقشة “خريطة الطريق” لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، التي تمت بلورتها أخيراً بصياغة أولية.
وقال بوغدانوف: “مسودة خريطة الطريق الروسية جاهزة، مهمتنا هي المناقشة مع شركائنا والمضي قدماً في هذا العمل، نأمل أن يسمح لنا الاجتماع في أستانا بإحراز تقدم جاد على هذا الصعيد”.
ولم توضح موسكو تفاصيل عن مضمون خريطة الطريق المقترحة، لكن مصدراً دبلوماسياً تحدثت معه صحيفة الشرق الأوسط رجح أن تضع الخريطة أولويات التحرك المقبل، بشكل يلبي مصالح الحكومة السورية والنظام التركي ويقلص من العراقيل المحتملة أمام مسار التطبيع.
ووفقاً للمصدر، فمن المنتظر أن تشمل المناقشات الوضع الأمني على الشريط الحدودي ومسائل تحديد المداخل المشتركة للتعامل مع ما تسميه أنقرة ودمشق الإرهاب في المنطقة، علماً بوجود فوارق بين تقييم تركيا والحكومة السورية فيما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية.
ولفت المصدر إلى عنصر توافق أساسي يشكل نقطة انطلاق للحوارات، ويجمع مواقف دمشق وأنقرة وموسكو، وهو رفض ما يسمونه النزعات الانفصالية والتي يتهمون بها الإدارة الذاتية رغم تأكيد الأخيرة مراراً وتكراراً تمسكها بوحدة الأراضي السورية والدعوة للحوار مع دمشق للوصول إلى أرضية مشتركة لمواجهة الأخطار التي تهدد وحدة سوريا، وضرورات مواجهة الوجود الأميركي في سوريا، في هذا الإطار قال المصدر إن أنقرة لا تمانع في بسط سيطرة قوات الحكومة السورية على مناطق واسعة على الشريط الحدودي مع تلقي ضمانات أمنية كافية لتركيا.
وقال مصدر آخر في دمشق، للشرق الأوسط، إن مسودة “خريطة الطريق” للتطبيع بين الحكومة السورية وتركيا التي وضعتها روسيا، تتضمن بنداً خاصاً بـ”جدولة الانسحاب التركي من الأراضي السورية”، وتابعت، أن دمشق ورغم إعلانها “الانفتاح على الحوار” مع تركيا، فإنها لا تزال متشددة في شرط “الانسحاب التركي من الأراضي السورية”، ووقف دعم التنظيمات السورية المسلحة المعارضة، كأرضية للحوار بهدف الوصول إلى تطبيع العلاقات مع تركيا.
وأضافت المصادر أن دمشق تبدي إصراراً على تحديد التنظيمات التي يجب على تركيا وقف دعمها، والموجودة في مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، مقابل مطالبة الجانب التركي بمحاربة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وذلك “شرط لتحقيق تقدم في مسار الحوار الذي تقوده موسكو”، حيث تضغط الأخيرة لتسريع المفاوضات باتجاه تطبيع العلاقات الدبلوماسية، من خلال إدارة جديدة لملف العلاقات تنطلق من تثبيت كل خطوة قبل الانتقال إلى الخطوة التالية.
الملف الثاني الذي ينتظر أن يكون على جدول الأعمال، وفقاً للمصدر الروسي، يتمثل في الوضع حول إدلب خصوصاً المطالب السابقة بفتح الطرق الدولية، وهو المطلب الذي ماطلت أنقرة طويلاً بتنفيذه.
وقال الدبلوماسي الروسي، إن هذا الموضوع بات حيوياً في المرحلة الحالية، كون النقاشات حول مسار دخول المساعدات الدولية وآليات توزيعها باتت مطروحة بقوة، فضلاً على أن تطبيع الوضع حول الطرق الدولية يفتح مجالات لتوافق أكبر بين دمشق وأنقرة في ملفات أخرى.
وبين القضايا المرشحة لتكون ضمن خريطة الطريق، مسألة تأمين “عودة طوعية آمنة” لجزء من اللاجئين السوريين في تركيا. وقال المصدر إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يريد أن يفي بتعهداته الانتخابية حول عودة جزء من اللاجئين إلى ديارهم.
وكان وزراء خارجية الدول الأربع قد عقدوا قبل أسابيع جولة محادثات هي الأولى من نوعها في موسكو، وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في ختامها أنه جرى الاتفاق على إعداد “خريطة طريق” لدفع جهود تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، تشمل القضايا الأمنية، واستعادة سيطرة الحكومة السورية على كامل أراضي البلاد، واستبعاد أي احتمال لشن هجمات عبر الحدود.
وفي غضون ذلك، لفتت أوساط روسية إلى أن جولة أستانا الحالية تحظى بأهمية خاصة، كونها تعقد في أجواء جديدة بالنسبة إلى للحكومة السورية. ومن جانب آخر، فإن فتح أبواب مسار التطبيع مع أنقرة يشكل بعداً إضافياً لوفد دمشق يزيد من تعزيز قوته “في وجه حضور المعارضة الضعيفة والمشتتة”. ومن جانب آخر، فإن دمشق تذهب إلى هذه الجولة مسلحة بانفتاح عربي واسع بعد عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، وكان لافتاً أن الكرملين استبق جولة أستانا بإعلان الناطق باسمه ديمتري بيسكوف، أن “روسيا ستواصل بذل الجهود اللازمة لمساعدة سوريا على عودتها الكاملة إلى الأسرة العربية”.
ويشار إلى أن مباحثات جرت مؤخراً في دمشق بين الحكومة السورية وإيران، تتعلق بجدول أعمال اجتماع (أستانا) والاجتماع الرباعي لنواب وزراء خارجية الدول الأربع، واجتمع معاون وزير الخارجية في الحكومة السورية أيمن سوسان، مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي أصغر خاجي، والوفد المرافق، وجرى بحث مسار التقارب التركي – السوري. وكانت “وجهات النظر متطابقة حول القضايا ذات الصلة، لا سيما التأكيد على ضرورة الالتزام قولاً وفعلاً بسيادة سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً وسلامة أراضيها”، وفق البيان الرسمي.
وأعقب ذلك الاجتماع لقاء بين بشار الأسد وأصغر خاجي، وتناول البحث اجتماع الرباعية وتأكيد “أهمية التنسيق في كل الأمور المرتبطة به وباجتماعات أستانا”.
وجاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية السورية أن الأسد “شدد على وضع استراتيجية مشتركة تحدد الأسس، وتوضّح بدقة العناوين والأهداف التي تبنى عليها المفاوضات القادمة سواء كانت بخصوص الانسحاب التركي من الأراضي السورية أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من القضايا، وتضع إطاراً زمنياً وآليات تنفيذ لهذه العناوين، وذلك بالتعاون مع الجانبين الروسي والإيراني”.