قررت الإدارة الذاتية، البدء بمحاكمة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين لديها والذين ينحدرون من 60 بلداً، وفق القوانين الدولية والمحلية الخاصة بـ “الإرهاب”، رغم غياب الدعم الدولي، وسط مطالباتها بإرسال مراقبين ومندوبين عالميين لعقد محاكمات شفافة
يشكل ملف عناصر تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين في سجون شمال وشرق سوريا، تحديا أمنياً عالمياً، في ظل وجود نحو 12 ألف عنصر من حملة الجنسيتين السورية والعراقية ونحو 8 آلاف ينحدرون من أكثر من 55 بلداً من مختلف أنحاء العالم.
وعناصر التنظيم هؤلاء، تم اعتقالهم بعد أن قضت قوات سوريا الديمقراطية، على تنظيم الدولة الإسلامية جغرافياً في آذار عام 2019 في آخر معاقله ببلدة الباغوز في ريف دير الزور على الحدود السورية العراقية، حيث اختار عناصر التنظيم تسليم أنفسهم إلى قوات سوريا الديمقراطية ليقينهم بأن توجههم إلى العراق سيعرضهم لخطر الإعدام كون القوانين العراقية ما زالت تستخدم عقوبة الإعدام في حين أن قوانين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لا تسمح بإعدام أياً ومهما كان جرمه.
واعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي الذي شهدت فترة زعامته أكثر المراحل دموية في تاريخ التنظيم الذي تشكل منذ عام 2004 ومر بالعديد من المراحل إلى يومنا هذا، استراتيجية الهجوم على السجون لتهريب سجناءه، وأكبر مثال على ذلك الهجوم على سجن الصناعة في كانون الثاني عام 2022. حيث كان الهجوم منسقاً وسعى لتهريب الآلاف من سجناء التنظيم الجاهزين للقتال مرة أخرى.
وعلى مدار أربعة أعوام، طالبت قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية وكذلك المجتمع الدولي، بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة عناصر التنظيم وذلك في شمال وشرق سوريا نظراً لأنهم ارتكبوا الجرائم في هذه المنطقة، ويتوفر الشهود والأدلة والوثائق التي تدينهم، كما طالبت الدول بإعادة رعاياها من عناصر التنظيم المحتجزين.
وبدلاً من إنشاء محكمة دولية أو إعادة رعاياها، لجأت بعض الدول إلى إسقاط الجنسية عن رعاياها الذين انخرطوا ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية مثل بريطانيا، في حين أعادت دول قليلة بعض رعاياها خصوصاً من الأطفال والنساء، إذ تخشى تلك الدول إن قوانين الإرهاب لديها لا تسمح بفرض عقوبات بالسجن لسنوات طويلة على هؤلاء العناصر وبالتالي خروجهم من السجن في ظرف سنوات قليلة وتشكيلهم تحدياً أمنياً لبلدانهم التي سعت لإبقاء خطر التنظيم في منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن بلدانها.
ولحل معضلة هؤلاء المحتجزين قررت الإدارة الذاتية البدء بمحاكمتهم، وقالت الإدارة في بيان، إن إجراءها للمحاكمة يأتي بعد عدم تلبية المجتمع الدولي لنداءات ومناشدات الإدارة الذاتية للدول لاستلام مواطنيها من عناصر التنظيم، وإحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية.
بيان الإدارة أكد أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه لا يمكن أن يدوم أكثر من ذلك، مضيفاً أنّ عدم تقديم هؤلاء المجرمين للقضاء والعدالة أمر منافٍ للقوانين والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى تزايد خطورة الوضع الأمني في حال بقائهم واستمرارهم على هذا الحال.
كما أشار البيان إلى أن هذا القرار لا يلغي ضرورة إنشاء محكمة دولية، أو محكمة ذات طابع دولي خاص بملف عناصر التنظيم وعبّر عن إصرار الإدارة على مطالبة المجتمع الدولي بالتجاوب مع مطالبها في تشكيل محكمة دولية.
الإدارة الذاتية أكدت أنها ستحاكم هؤلاء بما يتناسب مع القوانين الدولية والمحلية المعمول بها في مجال مكافحة الإرهاب، ودعت المجتمع الدولي لإرسال مراقبين ومندوبين عنها لحضور جلسات المحاكمة بما يضمن محاكمات شفافة أمام الرأي العام.
وطالب مسؤولو الإدارة الذاتية، المجتمع الدولي وبشكل خاص التحالف الدولي الذي يضم أكثر من 70 دولة، للمشاركة بشكل فعال في هذه المحاكم عبر دعمها، معتبرين أن التعاون في هذه القضية يعتبر استمرارية لمكافحة “الإرهاب”.
ورغم أن الإدارة الذاتية ستبدأ قريباً بمحاكمة عناصر التنظيم في محاكم مفتوحة أمام الإعلام والرأي العام، إلا أن هذه العملية بحد ذاتها تواجه العديد من التحديات.
ومن أكبر تلك التحديات، أن الإدارة الذاتية لا تمتلك مطارات لإعادة هؤلاء بعد تقديمهم للمحاكمة إلى بلدانهم، وهذا يعني أن عناصر التنظيم الذين سيحاكمون سيقضون فترة عقوبتهم في سجون بمناطق شمال وشرق سوريا، ولكن المنطقة تفتقر إلى سجون على درجة عالية من الحماية الأمنية، والمتوفر منها غير آمن ويتم حمايتها بإمكانات محدودة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما يزيد من مخاطر تعرض تلك السجون لهجمات التنظيم مستقبلاً من أجل تهريب العناصر في ظل استمرار التنظيم بتجنيد عناصر جدد مستفيداً من غياب الدعم الدولي للقضاء على أسباب ظهور التنظيم ومنها عدم توفير الإمكانات المالية لتحسين البنية التحتية في المناطق التي سيطر عليها التنظيم لسنوات ورّوج فيها لفكره المتشدد، فضلا ًعن عدم تحرك المجتمع الدولي لحل ملف أفراد عناصر التنظيم المتواجدين في مخيمي الهول وروج بشمال وشرق سوريا.
فهذان المخيمان يضمان أكثر من 50 ألف من أفراد عائلات عناصر التنظيم، وغالبيتهم من الأطفال الذين كانوا صغاراً وباتوا اليوم فتياناً يتم تدريبهم وتلقينهم من قبل نساء عناصر التنظيم على الفكر المتشدد.
ويرى تنظيم الدولة الإسلامية في هؤلاء الفتيان جيشه المستقبلي، لعددهم الكبير وتشربهم بالفكر المتشدد وعدم قيام المجتمع الدولي بمهامه لإدماج هؤلاء في المجتمع وإيجاد حل دائم لملفهم.