خلف أبواب موصدة، تستمر المفاوضات بين الحكومة السورية والنظام التركي لاستكمال عملية التطبيع بينهما. وتشرف عليها استخبارات الطرفين ويجري تنفيذها رويداً رويداً، إذ يجري الحديث عن إعداد الاستخبارات التركية قائمة بأسماء معارضين سوريين سيجري تسليمهم على مراحل للحكومة السورية على مذبح التطبيع.
تسعد كل من الحكومة السورية والنظام التركي وإيران وروسيا لعقد اجتماع رباعي آخر على مستوى نواب وزراء الخارجية منتصف حزيران الجاري، في إطار اتفاق وزراء خارجية الأطراف الأربعة على استمرار اللقاءات بينها، وذلك في اجتماع موسكو الذي عقد قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي جرت في أيار المنصرم.
الاجتماعات الرباعية سواء كانت على مستوى وزراء الدفاع أو نواب الخارجية أو الخارجية، عقدت بحضور أجهزة استخبارات الأطراف الأربعة، والمعروف عن أجهزة الاستخبارات بأنها تعقد الصفقات السرية التي لا يتم الكشف عنها بناء على المصالح الأمنية للأطراف المجتمعة، وتبقى طي الكتمان في دفاتر الدولة العميقة التي تتحكم بمفاصل الحكم بعيداً عن السياسيين بحجة أنها متعلقة بالأمن القومي ولا يجوز البوح بها، ولكنها في حقيقة الأمر في حال كشف الستار عنها تظهر مدى تضحية الأنظمة بشعوبها ومصالحهم على مذبح الحفاظ على سلطتها.
وفي حالة الحكومة السورية والنظام التركي، هناك أطراف محددة تستهدفها الصفقات السرية، فالحكومة السورية تطالب تركيا بالانسحاب والتخلي عن المعارضة السورية الممثلة بالائتلاف الوطني السوري والجيش الوطني، وعلى اعتبار أن تركيا ليست بوارد الانسحاب الآن، فهي تستكمل لقاءات التطبيع مع الحكومة السورية على حساب الجيش الوطني والائتلاف السوري، فلا ضرر لدى تركيا إن تخلت عن هذه الورقة التي باتت بالنسبة لها كرتاً محروقاً وانتهت صلاحيته بعد أن استخدمته تركيا على مدار سنوات لتتدخل عبرهم في سوريا علها تصل إلى حدود ما تسميه الميثاق الملي والذي ذهب أدراج الرياح مع التدخل الروسي دعماً للحكومة السورية. وبالنسبة لتركيا فأن هدفها معروف في جر الحكومة السورية إلى قتال مشترك ضد قوات سوريا الديمقراطية بهدف التخلص من الإدارة الذاتية التي تراها أنقرة ودمشق عقبة في طريق تطبيق مصالحهما.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن أن الاجتماعات الرباعية على مستوى ممثلي الاستخبارات، تم فيها التوافق على تسليم المعارضين السوريين المتواجدين في تركيا والمدعومين من قبلها إلى الحكومة السورية كشرط أول لاستكمال مفاوضات التطبيع في ظل تريث دمشق في التطبيع بعد أن افتتحت أمامها الأبواب العربية التي ظلت مغلقة على مدار 12 عاماً وذلك بفضل التقارب بين السعودية وإيران.
وتشير المعلومات أن الاستخبارات التركية أعدت قائمة بأسماء المعارضين الذين سيجري تسليمهم إلى دمشق تباعاً وعلى دفعات تجنباً لإحراج تركيا إعلامياً وكذلك كي تقدم دمشق على الخطوات التي تم الاتفاق عليها ومنها تشكيل غرفة عمليات مشتركة في الأراضي السورية والحصول على معلومات عسكرية عن قوات سوريا الديمقراطية على الأرض ونقل عناصر من الاستخبارات التركية إلى المربعات الأمنية في مناطق شمال وشرق سوريا.
وبالفعل بدأت تركيا بتسليم بعض المعارضين للحكومة السورية، حيث بدأت بصاحب مكتب الحوالات المالية الذي ترسل عبره الأموال إلى مناطق الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا المدعو ماهر الدغيم الذي جرى تسليمه عبر دولة قطر، وكذلك تسليم أنقرة لـ 13 ضابطاً منشقاً للحكومة السورية عبر معبر كسب الحدودي بين الطرفين. ومن المقرر أن يتبعها دفعات أخرى سيجري تسليمها تحت مسمى العودة الطوعية، ولكن أي عودة… عودة إلى سجون الحكومة السورية وسط تكتم تام على هذه العملية.
وتقول المعلومات أن أنقرة في إقدامها على هذه الخطوة تستفيد من التطبيع العربي مع دمشق، إذ تؤكد المعلومات أن الدول العربية باتت ترفض استقبال المعارضة السورية كي لا تتعرض للإحراج أمام الحكومة السورية لأنها هي كانت السباقة نحو التطبيع مع دمشق، خصوصاً أن الدول العربية ترفض جماعات الإسلام السياسي التي ناهضت حكمها ومصالحها في الدول العربية على مدار أكثر من عقد من الزمان، وكذلك لأن المعارضة السورية وضعت جميع بيضها في السلة التركية، وكنوع من العقاب لهم، تركتهم الدول العربية ليتجرعو سم ما اختاروه بأيديهم.
يبدو أن المرحلة القادمة ستشهد تسليم تركيا للعديد من المعارضين السوريين للحكومة في دمشق، وقد لا ينحصر الدور في ذلك على الاستخبارات، لأن من كان يتولى قيادة الاستخبارات في تركيا أصبح الآن وزيراً لخارجيتها. الأيام القادمة حبلى بالمفاجئات والصدمات على حد سواء.