دخل الائتلاف السوري المعارض الذي يتخذ من تركيا مقراً له، وضعاً حرجاً جداً، مع بدء خطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق، فتركيا التي دعمت الائتلاف على مدار سنوات واستخدمته كأداة لتحقيق مصالحها في سوريا، على بعد خطوة واحدة من ترك هذه الأداة ولتستخدمه وللمرة الأخيرة في التطبيع مقابل ضرب الإدارة الذاتية، وبالمقابل فأن المصالحة مع الحكومة السورية يعني أن مصير أعضاء الائتلاف هو السجن وفي أبسط الحالات رقابة دائمة ودعوة مستمرة للأفرع الأمنية حتى الممات.
انتهت الانتخابات التركية، بإعادة انتخاب أردوغان رئيساً، وحدد أردوغان أعضاء حكومته والتي كانت عبارة عن إعادة تدوير للمناصب بين الدائرة المقربة منه، حيث عين رئيس الاستخبارات وزيراً للخارجية، وعين بدلاً منه المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، فيما نقل يشار كولر من قيادة الأركان إلى وزارة الدفاع.
بقاء الطغمة الحاكمة نفسها، يعني أن طريق التطبيع الذي بدأته أنقرة في العام الماضي مع الحكومة السورية سيسير بوتيرة أسرع خصوصاً لناحية تعيين رئيس الاستخبارات هاكان فيدان وزيراً للخارجية، حيث سيتولى مهمة عقد الصفقات مع الحكومة السورية.
والمعروف أن هدف تركيا الأول في سوريا هو القضاء على الإدارة الذاتية التي تراها خطراً على نظامها نظراً لأن هذا النظام يمنح جميع الشعوب حقوقها، وتركيا التي ترتكب الجرائم بحق الكورد منذ بداية تشكلها ليست في وارد منح الكورد في تركيا حقوقهم، وبالتالي ترى أن تشكل نظام للإدارة الذاتية في جوارها سيدفع الكورد للمطالبة بنظام مماثل في تركيا، ولذلك تسعى خلال التطبيع الاتفاق مع دمشق على القضاء على هذه الإدارة.
وخلال الاجتماعات الرباعية التي بدأت أواخر العام الماضي على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات ولاحقاً معاوني وزراء الخارجية وصولاً إلى مستوى وزراء الخارجية وتشكيل مجموعة لمتابعة الآلية على مستوى نواب وزراء الخارجية وقرب انعقاد اجتماعها في منتصف حزيران الجاري، اتفقت كل من أنقرة ودمشق وطهران وموسكو على الاستمرار بالحوارات، والبناء على ما يمكن الاتفاق عليه، وحالياً الأمر الوحيد الذي تتفق عليه هذه الأطراف، هو التخلص من الإدارة الذاتية إلى جانب أي طرف معارض للحكومة السورية والمقصود هنا هو الائتلاف السوري.
فأحد شروط دمشق للتطبيع هو الانسحاب التركي والتوقف عن دعم الائتلاف وفصائل الجيش الوطني، وعلى اعتبار الشرط الأول لن تقدم عليه تركيا، فأنها بدأت التحرك فعلياً لتطبيق الشرط الثاني.
وفي هذا السياق، سلمت تركيا مؤخراً المعارض المقرب من الائتلاف السوري، ماهر الدغيم للحكومة السورية عبر دولة قطر، كما سلمت بطريقة مباشرة 13 ضابطاً منشقاً إلى الحكومة السورية في معبر كسب، وهذه هي بداية الخطوات التي أقدمت عليها أنقرة لإرضاء دمشق كبادرة حسن نية في علاقات التطبيع.
وقبل ذلك عقدت المخابرات التركية عدة اجتماعات مع عدد من فصائل الجيش الوطني التابعة لها وخيّرتهم بين أمرين اثنين: التطبيع والتسوية مع الحكومة السورية، أو التخلي عنهم، وسط الحديث عن رفض بعض الفصائل للتسوية مع دمشق.
كما عقدت تركيا اجتماعات منفصلة مع بعض الفصائل التي يديرها التركمان، ونقلت لهم توجيهات النظام التركي بضرورة الاستعداد للتسوية مع دمشق وضمان أن لا يتعرضوا لاحقاً للمضايقة من قبل الحكومة السورية والحفاظ على تواجدهم في المناطق التي غيرت تركيا ديموغرافيتها من الشمال السوري بعد أن نقلت عشرات الآلاف من التركمان إلى هذه المناطق التي كانت غالبيتها كوردية.
والدلالة على ذلك أن رئيس المخابرات العامة التابعة للحكومة السورية، اللواء حسام لوقا، عقد اجتماعاً في حلب مع بعض قادة الفصائل التركمانية وناقش معهم خطوات التسوية وما ستقدمه لهم دمشق.
عدا عن ذلك، تتوجه تركيا لتصفية بعض فصائل الجيش الوطني والأصوات المعارضة للتطبيع مع دمشق في الشمال السوري، وأوكلت هذه المهمة إلى هيئة تحرير الشام التي بدأت منذ نيسان عمليات دهم واعتقالات طالت عشرات النشطاء، والمعروف بأن من يدخل سجون الهيئة لا يخرج منها حياً أو بدون صفقة.
فتركيا ماضية لتأمين التركمان سواء في الائتلاف أو في فصائل الجيش الوطني، مقابل التخلي عن العرب والكورد السنّة الذين يشكلون أكثر من 90 % من الائتلاف والجيش الوطني.
هؤلاء الذين استخدمتهم تركيا كأداة لتحقيق مصالحها بقي لهم أمر واحد ليحققوه للنظام التركي ليستغني بعد ذلك بشكل تام عنهم ويسلمهم لقمة سائغة للحكومة السورية، وهذا الامر هو استخدام هؤلاء في عقد صفقة مع دمشق، تتخلى بموجبها عنهم أو تقدمهم لدمشق على طبق من ذهب عبر التسوية أو التسليم المباشر وفي كلا الحالتين يكون مصيرهم السجن والملاحقة الأمنية ومراجعة الفروع الأمنية، والمقابل لذلك هو أن تشاركها دمشق في شن الهجمات على الإدارة الذاتية والتي تعتبر المعارضة الوحيدة للحكومة السورية التي لم تخضع لأطراف خارجية وتعمل لأجلها، وهي العقبة الوحيدة التي تراها دمشق في طريق إعادة سيطرتها الأمنية على عموم سوريا نظراً لتمتعها بالحاضنة الشعبية عكس الائتلاف وبقية معارضة الداخل الضعيفة.
ويقول العديد من المتابعين للشأن التركي وعلاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي، بأن تركيا بدأت بتطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ومصر والإمارات، وهذه الأطراف الثلاثة تقف بالضد من جماعات الإسلام السياسي نظراً لدورها التخريبي وسعيها للوصول إلى الحكم وإسقاط الحكم في هذه البلدان، وهي اشترطت على تركيا التخلي عن جماعات الإسلام السياسي مقابل الحصول على أموال استثمارية تساعد أردوغان في تحسين اقتصاده المتهاوي بعد أن اجتازت الليرة التركية عتبة 21 ليرة للدولار الواحد وارتفاع التضخم وازدياد نسبة الفقر في تركيا.
فأردوغان الذي وعد الناخبين بالتخلص من اللاجئين السوريين وتحسين الاقتصاد، مضطر الآن لتطبيق وعوده وإلا سيشهد ثورة في الداخل، ولذلك فهو مستعد للتخلص من جماعات الإسلام السياسي التي أثبتت فشلها في كسب دعم شعوب المنطقة نظراً لجرائمها بحقهم وارتكابها لأخطاء فادحة بأن تخلت عن العرب وتمسكت بطرف حاول احتلال بلاد العرب وسبب لها الكثير من المآسي على مدار أكثر من عقد من الزمن.