رياض علي
هيمنَ ملف شمال وشرق سوريا وتحديدًا كيفية إخراج القوات الأميركية من سوريا على الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والحكومة السورية الذي عُقد في العاشر من مايو / أيار الجاري في العاصمة الروسية موسكو.
ولعلَّ ملف إخراج القوات الأمريكية من شمال وشرق سوريا الذي حضر بقوة في قمة موسكو ليس الأول من نوعه، إذ سبق وأن اتفقت روسيا وإيران وتركيا في قمة طهران التي انعقدت العام الفائت على محاربة الوجود الأمريكي في المنطقة حيث لعبت أنقرة دورًا رئيسيًا في ذلك من خلال الاستهداف المباشر للجنود الأمريكيين بالإضافة إلى قصفها المتكرر على مناطق شمال وشرق سوريا، فضلاً على تحريكهم لخلايا تنظيم الدولة الإسلامية وقيامها بعمليات استهداف واغتيالات بهدف إظهار المنطقة بأنها غير آمنة، بالإضافة إلى التصعيد الإيراني ضد القوات الأمريكية من خلال هجمات بطائرات مسيّرة.
ومع فشل قمة طهران في الوصول إلى أهدافها، انتقل الملف إلى القمة الرباعية في موسكو التي طغى عليها العمل على محاربة الوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا بالإضافة إلى محاربة قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب قيام الحكومة السورية بتقديم تنازلات لأنقرة فيما يتعلق بالمناطق التي تسيطر عليها الأخيرة في سوريا، وفي المحصلة فإن القمة وعلى غرار القمم والمنصات السابقة لم تُقدّم أي حلول سياسية للخروج من الأزمة التي لا تزال مستمرة منذ أكثر من عقد، بل طغى عليها اللجوء إلى وسائل من شأنها إطالة أمد الصراع في المنطقة على حساب الشعب السوري.
رصد تحركات القوات الأمريكية وقسد
ومن ضمن مخرجات الاجتماع الرباعي بين تركيا والحكومة السورية وإيران وروسيا تضمّن إنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة تهدف لرصد تحركات القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا وجمع وتبادل المعلومات وتحديد الأماكن والمواقع العسكرية للقوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، والمراكز الخدمية للإدارة الذاتية والقيام بتنفيذ غارات جوية من قبل الطائرات الإيرانية والتركية المسيّرة بالإضافة إلى استهداف دوريات تابعة للقوات الأمريكية وقسد والنقاط العسكرية من قبل خلايا مرتبطة بتركيا وروسيا والحكومة السورية وإيران عبر تشكيل مجموعات مسلحة تابعة لهم وتقديم كافة أنواع الدعم لهم.
ووفقًا للمعلومات فإنَّ الأطراف الأربعة اتفقت على تحويل مطار القامشلي في شمال وشرق سوريا إلى مركز للتنسيق وتبادل المعلومات حول الأهداف والخطط التي سيتم اتباعها فيما يخص ملف رصد تحركات القوات الأمريكية وقسد.
ومؤخرًا اتفق دول محور موسكو على نقل عناصر من الاستخبارات التركية إلى المربعات الأمنيّة التابعة للحكومة السورية في القامشلي والحسكة وبهدف تسهيل عملية تحركهم دون وجود عوائق تم تأمين هويات سورية لهؤلاء العناصر.
الحكومة السورية تُقدّم تنازلات لتركيا
رغم التصريحات المتكررة للمسؤولين في الحكومة السورية برفضها حضور الاجتماع الرباعي في موسكو ضمن إطار التطبيع التركي السوري لحين حصولها على ضمانات بخروج القوات التركية من الأراضي السورية، إلا أنه وعلى أرض الواقع لم تتطابق هذه التصريحات فيما يجري على الأرض فالحكومة السورية واصلت اجتماعاتها دون الحصول على أية ضمانات تركية للخروج من سوريا بل وأكد المسؤولين الأتراك مرارًا أنهم باقون في سوريا ولن ينسحبوا منها.
وبات من المؤكد أن التصريحات التي يطلقها المسؤولين في الحكومة السورية الداعية إلى خروج القوات التركية من سوريا هي للاستهلاك الإعلامي فقط والادعاء بأنها تحافظ على وحدة الأراضي السورية، لكن في الحقيقة معاكسة تمامًا، فالحكومة السورية قدّمت تنازلات لتركيا ضمن مخرجات اجتماع موسكو إذ وافقت على بقاء القوات التركية في المناطق السورية مع الإبقاء على الفصائل التركمانية فقط في حين سيتم تفكيك الفصائل السنية وذلك عبر خطوات تم الاتفاق عليها في قمة موسكو، في حين أن أنقرة ستنخرط في إخراج القوات الأمريكية من شمال وشرقي سوريا.
ويُعد تصرفات الحكومة السورية بمثابة تنازل رسمي ومجاني للأراضي السورية التي تحتلها تركيا خاصةً وأن الأراضي التي تسيطر عليها تركيا هي أضعاف ما تحتله إسرائيل في جنوب البلاد.
إذ تبلغ مساحة الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل في الجولان يساوي 1200 كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة الأراضي التي تحتلها تركيا منذ العام 2016 وتدخلها العسكري المباشر بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وقوات سوريا الديمقراطية في إعزاز، جرابلس، الباب، عفرين، رأس العين، تل أبيض يساوي 8500 كيلومتر مربع، عدا عن مساحة لواء الاسكندرون التي يبلغ مساحتها 4800 كيلومتر مربع، حيث يبلغ مجموع ما تحتله تركيا من الأراضي السورية في هذا الحال 13300 كيلومتر مربع.
نية أمريكية – إسرائيلية لشن ضربات قوية في سوريا
على وقع التحركات الإيرانية والسورية والاتفاق مع دول محور موسكو في محاربة الوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا فإن إمكانية شن القوات الأمريكية ضربات جوية لقوات الحكومة السورية وخصوصًا المجموعات الموالية لها من الممكن أن تبدأ في أي لحظة على غرار ما حصل بين الأمريكان والإيرانيين من تصعيد خلال الأشهر الفائتة وخاصةً في دير الزور ومن المتوقع أن يشارك الطيران الإسرائيلي في هذه الهجمات، خاصةً مع تصاعد لهجة التهديد بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، والذي بلغ ذروته بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن بلاده ستفاجئ إيران دومًا، وسوف تفاجئ كل أعدائها.
ولا تخفي إيران مشروعها الرامي لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة في استكمال للانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط الكبير.
ومن وجهة نظر إيران، فإنه يشكل الوجود الأمريكي في شمال وشرقي سوريا خطرًا كبيرًا على المشروع الإيراني في المنطقة، حيث يعيق الانتشار الأمريكي في شرق دير الزور والتنف السيطرة المطلقة للمجموعات الإيرانية على كامل الحدود العراقية السورية، علاوة على حرمان المجموعات من موارد النفط والغاز في هذه البقعة الغنية.
وتسعى إيران إلى إقامة “ممرّ أرضي” في وسط الشرق الأوسط – أيّ من إيران مرورًا بالعراق وسوريا ووصولاً إلى البحر الأبيض المتوسّط – مع يد واحدة تواجه إسرائيل في جنوب سوريا ويد أخرى تمتدّ نحو مناطق الخليج المأهولة بالسّكان الشّيعة. ويعتبر هذا الممر وسيلة نحو إقامة منطقة متاخمة للنفوذ الإيراني المباشر في بلاد ما بين النّهرين والشّام.
وتعتبر إسرائيل أن جميع هذه التحركات تشكل تهديدًا استراتيجيًا كبيرًا طويل الأجل، وإذا ما تحققت، لن تحوّل سوريا إلى محمية إيرانية فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى ترسيخ جذور إيران – التي تعهّد نظامها بتدمير إسرائيل – في بلد مجاور، مما يمكّنها من تحويل سوريا إلى جبهة عسكرية ضد إسرائيل، ويزيد من الاحتكاكات المباشرة بين إيران وإسرائيل.
ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع