قال المحلل السياسي التركي، تورغوت اوغلو، في مقالة لاندبندنت عربية، إن كل المعطيات تشير إلى أن تحالف المعارضة في تركيا، إذا لم يحافظ على صناديق التصويت في الجولة الثانية فسيفوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بالطبع.
يوم الأحد الماضي، توجه ملايين الناخبين في جميع أنحاء تركيا إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. لكن لم يتمكن أي مرشح من الحصول على النصاب القانوني المطلوب في انتخابات الرئاسة التي شارك فيها نحو 55 مليون ناخب.
وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات (YSK) أنه من بين المرشحين للرئاسة، حصل الرئيس وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان على 49.35 في المئة من الأصوات، في حين حصل منافسه كمال كليتشدار أوغلو على 45 في المئة.
واسمحوا لي أن أذكر في البداية ما سأقوله في النهاية.
كنا نتوقع أن يحقق مرشح تحالف الأمة، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، فوزاً واضحاً، لكن هذا لم يحدث، إلا أن منافسه الرئيس أردوغان لم يفز هو أيضاً. كما تم تأجيل إطلاق أردوغان لخطة الفوضى التي أعدها في حال فوز منافسه كليتشدار أوغلو.
وقد كنت أنوي إرسال هذه المقالة يوم الاثنين الماضي للنشر، لكن عندما غيرت اللجنة العليا للانتخابات البيانات فجأة، شعرت بضرورة الحاجة إلى مزيد من البحث في خلفيات الأحداث.
ومن خلال بحثي وتحرياتي يمكنني الآن أن أؤكد بسهولة أن كليتشدار أوغلو فاز بالانتخابات على أرض الواقع وفي صناديق الاقتراع، ولكن لم يتمكن تحالف الأمة، وبخاصة حزب الشعب الجمهوري، من الحفاظ على صناديقهم الانتخابية. فتم منع كليتشدار أوغلو من الفوز بسبب التدخل في الانتخابات داخل أروقة اللجنة العليا.
لا حياة لمن تنادي
نعم، لم يكن هناك فارق كبير، ولكن وفقاً لبيانات نحو 60 في المئة من الصناديق التي تم فتحها، كان كمال كليتشدار أوغلو في الصدارة.
في مقالاتي قبل الانتخابات كنت قد ربطت فوز كليتشدار أوغلو بالحفاظ على صناديقه الانتخابية.
وقد لاحظ أوغلو هذا الأمر ولكن بعد فوات الأوان، حيث أقال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أونورسال آديغوزل، المسؤول عن جميع صناديق الاقتراع على مستوى تركيا.
في الواقع، وجهنا قبل الانتخابات كثيراً من التحذيرات، سراً وعلانية لإقالة هذا الشخص، ولكن “لا حياة لمن تنادي”.
وقد يسأل أحدهم “لماذا كنتم ترغبون في إقالته؟”.
والسبب هو أن هذا الشخص، الذي كان يتحمل مسؤولية الانتخابات ونظام تدفق البيانات، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأردوغان من خلال عائلة أصهاره المقربين من الحكومة. ومن تجليات القدر أن تركيا عانت، ولا تزال، من الأصهار. وبالفعل دفع تحالف الأمة ثمناً غالياً جراء هذا التهوين من شأن هذا الارتباط.
فقد كان تحالف الأمة أعلن – استناداً إلى المعلومات التي كان يدلي بها هذا الشخص – أن لديه أكثر من 500 ألف مندوب جاهز للعمل أثناء العملية الانتخابية لحماية صناديق الاقتراع، وقد انعكس هذا التصريح في وسائل الإعلام العربية أيضاً.
ولسوء الحظ اكتشفنا بعد الانتخابات أنه كان هناك 20 ألف صندوق لم يكن عندها أي مندوب تابع لحزب الشعب الجمهوري (CHP). والأسوأ من ذلك هو أن هذا الشخص كان يقول “لدينا نظامنا الخاص وبياناتنا الخاصة”. والآن اكتشفنا أن نظام البيانات قد انهار.
والحال أنه، قبل الانتخابات، حذر معظم الأشخاص الذين يعرفون كيفية إدارة هذه العمليات، من أنه يجب تنفيذ هذا العمل بواسطة شركة محترفة تعمل بمقابل مالي، وليس بواسطة المتطوعين.
وهناك حصان طروادة آخر هو تونجاي أوزكان، وهو نائب في الحزب وكبير مستشاري رئيسه، ومسؤول عن العلاقات الإعلامية للحزب، ويملك في الوقت نفسه مؤسسات إعلامية ووكالة أنباء (ANKA) التي تعاقد معها تحالف الأمة. وتبين أخيراً علاقاته المشبوهة مع نظام أردوغان.
فأوزكان هذا كان قبل 15 عاماً يملك قناة تلفزيونية (Kanaltürk)، لكنه لأسباب مالية باعها لرجل أعمال آخر، وانتهت الصفقة من دون خلاف، ولكن بعد سنوات تدخلت حكومة أردوغان في إدارة القناة بسبب خلافات سياسية مع مالكها الجديد. وفي هذا السياق تقدم أوزكان بشكوى إلى المحكمة يدعي فيها أنه تكبد خسائر عندما باع قناة التلفزيون التي كان يملكها قبل 15 عاماً. وقبل الانتخابات، قضت المحكمة بدفع قيمة الخسارة المقدرة بـ95 مليون دولار لمصلحة أوزكان.
ولا يتمالك الإنسان إلا أن يتساءل “كيف تقضي المحاكم التي يهيمن عليها أردوغان لمصلحة مسؤول رفيع المستوى في الحزب المعارض؟”. والآن وبعد خذلان أوزكان لرئيس حزبه تبين أن الـ95 مليون دولار هذه كانت ثمناً مسبق الدفع في الانتخابات.
وهذه هي الصورة الحقيقية لهاتين الشخصيتين اللتين تم تكليفهما بصناديق الاقتراع ونظام البيانات من قبل تحالف الأمة المعارض. وهكذا تم خداع كمال كليتشدار أوغلو، الذي جرى خذلانه على رغم كونه متقدماً في صناديق الاقتراع.
لماذا ارتاح أردوغان؟
على ما يبدو فإن أولئك الذين يتساءلون “لماذا يشعر أردوغان بالارتياح إلى هذا الحد؟” كانوا على حق. فكيف تمت سرقة الأصوات والتلاعب بها؟
ها هي الأرقام الرسمية للجنة العليا للانتخابات (YSK) قبل تغييرها، والتي تم بثها على جميع القنوات التلفزيونية.
في يوم الانتخابات، في الساعة 19:50، تم فتح 33259 صندوقاً (18 في المئة). وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن كليتشدار أوغلو حصل على نحو 49 في المئة من الأصوات، بينما حصل أردوغان على نحو 45.
في الساعة 23:00، تم فرز نحو 60 في المئة من الأصوات، وكان نحو 48 في المئة منها لكمال كليتشدار أوغلو و46 في المئة لأردوغان. ووفقاً لبيانات اللجنة، لم يتم إدخال نحو 8 ملايين صوت في النظام حتى تلك اللحظة في المدن الكبرى حيث كان كليتشدار أوغلو متقدماً فيها.
في الساعة 23:15، فوجئنا بأن اللجنة العليا للانتخابات قامت بتغيير بياناتها، إذ ارتفعت نسبة الأصوات المؤيدة لأردوغان إلى 49 في المئة بينما انخفضت نسبة كليتشدار أوغلو إلى 45.
في هذا الوقت بالضبط، تباطأ نظام حزب الشعب الجمهوري (حزب كليتشدار أوغلو)، حيث أن وكالة (ANKA) للأنباء التي كانت تزود الحزب بالبيانات لم ترسل أياً منها. وفي الوقت نفسه، بدأت وكالة “الأناضول”، التي لم تقدم بيانات دقيقة حتى ذلك الوقت، في نشر البيانات.
والآن اسمحوا لي أن أقدم لكم حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام، فهل تعرفون من أين حصلت وكالة “الأناضول” الرسمية للأنباء على بياناتها الرسمية؟
حسناً، لن تصدقوا، لكنها حقيقة. فقد حصلت الوكالة على البيانات من حزب العدالة والتنمية.
وها هي المسرحية بالضبط.
إن احتمالية أن أصدق هذه النتائج أقل بكثير من احتمالية أن أصدق أن الأرض مسطحة. ففي الواقع، كان السيناريو المنطقي والتحليل السياسي المناسب هو أن يتجاوز كمال كليتشدار أوغلو نسبة 50 في المئة ويستمر في الصعود. لذا حدثت أشياء ما وانقلبت الصورة رأساً على عقب.
لعبة أخرى لحزب العدالة والتنمية دارت في منطقة الزلزال. فمنذ عام 2018، وفقاً للبيانات الرسمية للدولة، بلغ عدد الناخبين الجدد في مناطق الزلازل قبل حدوثه 547 ألف شخص.
اختبار الفرصة الأخيرة
وبعد أن حدثت زلازل في هذه المحافظات العشر وتوفي 50 ألف شخص إضافة إلى آلاف المفقودين واضطر ثلث سكان المنطقة للنزوح إلى مدن أخرى، تغيرت بيانات المفوضية العليا للانتخابات فجأة في تلك الليلة، وقام 800 ألف ناخب جديد في منطقة الزلزال بالتصويت. فكيف تغير الرقم من 547 ألفاً إلى 800 ألف على رغم الزلزال المدمر، وبعد هذا الكم الهائل من الوفيات والهجرات.
إنه أمر مثير للاهتمام، أليس كذلك؟
من جانب آخر، حصل حزب الحركة القومية، الذي هو أحد عناصر التحالف الحاكم ونظم مهرجانين انتخابيين فقط، على 10 في المئة من الأصوات.
وفي بلدة نصيبين، تم تبديل 225 صوتاً كانت قد استخدمت لمصلحة تحالف الأمة، باسم تحالف الجمهور. وانكشف هناك عديد من المحاضر المجهزة مسبقاً لمصلحة التحالف الحاكم. وكل هذه المعطيات تشير إلى أن تحالف الأمة المعارض إذا لم يحافظ على صناديق الاقتراع والأصوات في الجولة الثانية أيضاً، فسيفوز أردوغان بالطبع.
ولا أستبعد أن يلجأ التحالف الحاكم إلى أساليب رهيبة لجلب أصوات الجماهير. على سبيل المثال إذا سمعنا أخباراً عن شهداء وحوادث انفجار لاجتذاب أصوات الناخبين القوميين والمحافظين في المعارضة فلن يكون أمراً مفاجئاً.
فعندما أعيدت انتخابات بلدية إسطنبول، كان أكرم إمام أوغلو قد حصل على نسبة 48 في المئة من الأصوات، وكانت غالبية المجلس البلدي في يد حزب العدالة والتنمية، لكن المعارضة توحدت وزادت نسبة المشاركة وفاز إمام أوغلو بنسبة 54 في المئة من الأصوات.
وفي هذه الانتخابات أيضاً هناك 12 في المئة من الناخبين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى، و1 في المئة من الأصوات قد ألغيت لأسباب تقنية، و6 في المئة من الناخبين صوتوا للمرشح الثالث والرابع.
وإجمالاً يشكل هذا المجموع 19 نقطة. فإذا نجح كليتشدار أوغلو في إقناع 1 في المئة فقط من هذه الفئة به وتمكن من الحفاظ على أصواتهم، ستكون لديه فرصة للفوز. وهناك أمر آخر يجب عدم نسيانه، فللمرة الأولى فشل حزب العدالة والتنمية في الفوز بنصف المقاعد في البرلمان، وخسر نحو 10 في المئة من الأصوات. وسيحتاج الآن ودائماً إلى دعم أحزاب أخرى في مجلس النواب الذي يضم 600 عضو.