أحمد خليل
يبدو أن الرياح باتت تجري بما لا تشتهي سفن فصائل الجيش الوطني التي ظنت أنه بتركها لجبهات القتال مع الحكومة السورية بناء على الأوامر التركية والتوجه نحو مقاتلة الكورد والسيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم، سيدوم لها رفاهها، عاشوا لسنوات في غفلة من أمرهم، وهاهم اليوم باتوا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما قبول التطبيع مع الحكومة السورية والخضوع لها وهذا يعني الاستسلام أو سيتم تسلميهم من قبل تركيا للحكومة السورية، وفي كلتا الحالتين، المصير واحد.
لسنوات، اعتقدت فصائل الجيش الوطني أن تركيا تتدخل في الأزمة السورية نصرة للشعب السوري ومطالبه في الحرية، كانت قادة الفصائل ومظلتهم من السياسيين في الائتلاف السوري، مبتدئين في السياسة والعلاقات والمصالح الدولية المتشابكة، لم يكونوا يدركون أن النظام التركي بقيادة أردوغان المتوجه نحو الدكتاتورية لن يستطيع أن يجلب لهم الحرية.
وضعوا كل بيضهم في سلة النظام التركي، وانقطعوا عن محيطهم العربي الذي لم يبخل عليهم بالأموال والسلاح والمساعدات الإنسانية في بداية الثورة السورية، كانوا يعتقدون أن تركيا هي التي تدعمهم عبر حدودها، لم يكونوا يدركون أن المساعدات القادمة عبر تركيا آتية من الدول العربية، وذلك لحسابات خاصة بتلك الدول، فغرفة الموك التي كانت تدعم فصائل الجنوب السوري كانت موجودة في درعا، والعراق معروف بأنه محمية إيرانية وعلى حدودها مع سوريا انتشر تنظيم الدولة الإسلامية وبالتالي كان إيصال الإمدادات للفصائل غير ممكن أبداً، ولذلك كان المنفذ الوحيد تركيا التي استغلت المساعدات العربية لتعزيز دور التركمان ضمن فصائل الجيش الحر التي تحولت لاحقاً إلى الجيش الوطني بأوامر من تركيا بعد أن مكنت بضع عشرات من التركمان للسيطرة على قرار بعض الفصائل وقيادتها بعد أن قدم لها دعماً لا محدوداً.
الآن بات التركمان يقودون فصائل أكثر من 90 % من عناصرها من العرب، ولكن هؤلاء العناصر ظلوا فقراء ينتظرون أن تحن تركيا وقادتهم من التركمان عليهم وأن يصرفوا لهم رواتبهم، ولكن تركيا كانت تحرمهم لأشهر من هذا المرتب الهزيل مقارنة مع قادة الفصائل الذين باتوا يملكون القصور والمشاريع.
هؤلاء الذين وصفوا أنفسهم بالثوار، كانوا غافلين أن فصائلهم باتت نسخة مقلدة مسخة من قوات الحكومة السورية التي كان ضباطها ينعمون بالخيرات، في حين أن العناصر كانوا يعيشون البؤس والحرمان. خرجوا ضد الفساد في قوات حكومة دمشق وأصبحوا هم داعمين لفساد قادتهم، هكذا خسروا الدعم العربي ومعه خسروا أنفسهم وباتوا يعرفون كمرتزقة لدى تركيا يقاتلون بالمال من أجلها في أي مكان تريد.
هؤلاء اعتقدوا أنهم بتركهم لجبهات القتال ضد الحكومة السورية بناء على أوامر تركية واتفاقات بين أردوغان وبوتين، وتوجههم نحو المناطق التي يقطنها الكورد، والسيطرة عليها ونهب خيراتها وتهجير سكانها، سينعمون بالرفاه إلى ما شاء الله، فتركوا الثورة ودماء شهداءها، خانوا الثورة ودماء شهداءها، أصبحوا حصان طروادة لدى تركيا، استخدمتهم في السيطرة على أراضي الكورد.
رغم أن النظام التركي أعلن صراحة بدء تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية منذ أيار العام المنصرم، رغم أن العلاقات الأمنية بينهما لم تنقطع، وبدأت فعلاً اللقاءات بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات ومؤخرا على مستوى نواب وزراء الخارجية، وغداً ولأول مرة منذ عام 2011 أي منذ انطلاق الثورة السورية، سيلتقي وزيرا خارجية تركيا والحكومة السورية في موسكو.
لتركيا أهداف من وراء هذه اللقاءات، وهو التخلص من الكورد وأيضاً استخدامها في الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية وأردوغان الذي تهاوت شعبيته وبات خائفاً من خسارة الرئاسة في ظل اتحاد المعارضة التركية ضده وحنق الشعب عليه خصوصاً بعد زلزال الـ 6 من شباط الذي حصد أرواح أكثر من 50 ألف تركي كانت حكومة أردوغان تقتطع منهم سنوياً ضريبة حماية من الزلازل ولكن عندما وقف الزلزال اكتشفوا أن أموالهم كانت تذهب لحكومة فاسدة كالتي موجودة في دمشق تماماً.
النظام التركي وأردوغان لم يكن يهمهم الشعب السوري ولن يكون، فقط استخدموا السوريين لمصالحهم، والآن انتهت المصلحة التركية بهم، وهي مستعدة للتخلي عنهم للحكومة السورية مقابل تطبيع العلاقات، هي المعروفة بأنها تخلت عن حركة حماس للتطبيع مع إسرائيل وتخلت عن الإخوان المسلمين مقابل التطبيع مع مصر، وكذلك فعلت بحركة النهضة التونسية بعد أن رأت أن لا مكان لها في مستقبل تونس، وها هي تفعل الشيء ذاته مع الائتلاف السوري وفصائل الجيش الوطني.
الحاضنة العربية التي كان من الممكن لها أن تحتضن الائتلاف السوري وفصائل الجيش الوطني لم تعد موجودة الآن أيضاً، بعد أن قرر وزراء خارجية العرب في الـ 7 من أيار الجاري إعادة الحكومة السورية إلى مقعدها في الجامعة العربية وإعلان السعودية أكبر ممول عربي، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
خسرت فصائل الجيش الوطني والائتلاف السوري الحاضنة العربية، وتركيا مقبلة على انتخابات، فإن فاز أردوغان فأنه سيتابع طريق التطبيع مع دمشق وسيتخلى عن الائتلاف وفصائله، فمن لن يكن فيه خير لشعبه لن يكون فيه لشعب آخر، وإن فازت المعارضة التركية فهي بالتأكيد ستتخلى عن هذه الفصائل في ظل اختلاف التوجهات الدينية بين العلمانية والإسلام السياسي.
الآن فصائل الجيش الوطني باتت في حيرة من أمرها، ماذا ستفعل وهي واقعة بين فكي كماشة، أين المفر لا تدري، هل تتجه إلى دمشق بعد أن قاتلتها لسنوات ودمشق لن تقبل توبتهم بسرعة، فالحكومة السورية تدير سوريا منذ عام 1970 والكل يعلم مصير الإخوان المسلمين في سوريا وكيف أن سجن تدمر كان مخصصاً لهم، ولكن يبدو هذه المرة أن دمشق ستجهز سجناً أقسى وأمر من ذاك السجن بعد أن قدمت الكثير والكثير وخسرت ما لا يتصوره عقل بشر. أم ترفض التطبيع مع دمشق، والحال هذا ماذا ستفعل، هل ستحارب دمشق؟ وهل بات لديها قوة لتقاتل! بعد أن ظلت وحيدة محاصرة في الشمال السوري، أم ستهرب إلى خارج البلاد، ولكن من سيمنحهم اللجوء، فشرط اللجوء عدم وجود أمان في البلد الأم، وبمجرد التطبيع العربي والتركي مع دمشق، لن يعود هذا الشرط أيضاً موجوداً.
الآن وكما يقول المثل الشعب “بعد ما وقع الفاس بالراس” بدأت بعض فصائل الجيش الوطني تدرك أن تركيا خدعتهم، دعمت فصائل بعينها يقودها التركمان مثل الحمزات والعمشات وجعلتها تسيطر على مقدرات السوريين وتطبق سياستها في سوريا خصوصاً التغيير الديموغرافي واستخدام العرب في قتل الكورد وتهجيرهم، ومنحتهم الجنسية التركية، في حين حولت بعضها الآخر إلى مجموعات مرتزقة تقاتل من أجلها وتقدم لها المال اليسير الذي بالكاد يكفيهم لتأمين قوت يومهم.
البعض يقول بأن الوقت لم يفت بعد، وبإمكانهم إعادة الثورة من جديد خصوصاً أن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ليست بأفضل حال والناس ضاقوا ذرعاً بممارسات قوات الحكومة وتجار الأزمات المرتبطين بها، في حين أصاب بعضهم اليأس وباتوا ينتظرون اليوم الذي سيتم فيه تسليمهم لقوات الحكومة السورية كقربان للعفو عن القادة التركمان الموالين لتركيا.
الأيام القادمة ستكشف كم كانت فصائل الجيش الوطني مخدوعة بتركيا، وكم كانوا أغبياء عندما عادوا الكورد وقاتلوهم، والكورد معروف عنهم السلام والعيش المشترك وبأنهم الصديق الذي لا يخون. ولكن هذا الاكتشاف سيكون متأخراً جداً، لأن ورقة الائتلاف السوري والفصائل قد تم حرقها تركياً قبل أن يتم حرقها عربياً.
ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع