قال الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش، المعتقل في سجن أدرنة منذ ما يقرب سبعة أعوام، إنه «سيشرح سبب معاداة أردوغان لهم». واعداً بنشر سلسلة من التغريدات عن الموضوع.
وفي اليوم التالي تساءل دميرتاش، في نص مكتوب نشره عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: «ألا ترون غرابة في نشره (أردوغان) لخطاب الكراهية ضدي من أجل جمع المزيد من الأصوات؟» من خلال طرح السؤال، أوضح دميرتاش الحالة التي وصلت إليها الأمور اليوم بدءاً من عام 2015 حتى الانتخابات.
قال دميرتاش بحسب ما ترجمه المركز الكردي للدراسات، إنه بعد محادثات السلام (بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني) بات «اهتمام أردوغان الوحيد هو أن يكون رئيساً». لذلك، فإنه في انتخابات يونيو/حزيران 2015 أراد الحصول على تصريح من أوجلان «بإلقاء (العمال الكردستاني) للسلاح قبل الانتخابات وتحويل ذلك إلى أصوات للفوز بـ 400 نائب».
هل يؤمن حقا أنني «إرهابي» و«قاتل»؟
وتابع دميرتاش بالقول: «هل يؤمن أردوغان حقاً بأنني إرهابي وقاتل؟ بالطبع لا. هو يعلم أن هذا ليس صحيحاً. في الواقع، ليس لدى أردوغان مشكلة مع القتلة الحقيقيين. على سبيل المثال، لم ينزعج من الركوع أمام بوتين، الذي قتل 34 جندياً تركياً في إدلب، فوقف عند بابه لدقائق منتظراً. لم يخجل على الإطلاق من مصافحة الحكومة الإسرائيلية، التي أسماها الدولة الإرهابية، والعديد من القتلة الآخرين، ووصفهم بالأصدقاء».
إذاً، لماذا يستفز جمهوره بالافتراء والتصرفات العدائية عندما يتعلّق الأمر بـ«سيلو الكردي» (لقب يطلقه الكرد على صلاح الدين دميرتاش)؟
وروى دميرتاش: «في منتصف عام 2014 بحسب ما أتذكّر، وأثناء زيارتنا إلى إمرالي ضمن الوفد المفاوض لإتمام عملية التسوية، وبينما كنّا في انتظار اصطحابنا إلى الغرفة المقرر مقابلة عبد الله أوجلان فيها، اصطحبنا مدير السجن إلى مكان آخر داخل السجن نفسه. اعتقدنا في البداية أنه المكان حيث سيتم عقد الاجتماع، لقد أخذنا في البداية إلى الزنزانة الضيقة التي كان يُحتجز فيها أوجلان لأعوام عديدة. لكن أوجلان لم يكن في الزنزانة. بعد تأمّل الزنزانة لمدة خمسة دقائق. قال مدير السجن: أوجلان لن يمكث هنا بعد اليوم، واقتادنا على الفور إلى مكان آخر مجاور».
فتح باباً حديدياً يبدو خشبياً، كما يكون عادة في الشقق السكنية، وقال إن هذا هو مكانه الجديد. تم الجمع بين ثلاث زنازين وتجهيز شقة فاخرة من ثلاث غرف من أجله.
في الغرفة الأولى كان هناك سرير خشبي ومقعد للاستلقاء، وخزانة تضم 1003 كتاب (تم ترقيم جميع الكتب وترتيبها)، وشاشة تلفزيون من نوع «LED» كبيرة، وطاولة بلاستيكية وكرسي.
في الغرفة الثانية، كانت هناك طاولة اجتماعات تتسع لستة أشخاص، ومكتب وحاسوب وشاشة تلفزيون «LED» صغيرة.
كانت الغرفة الثالثة عبارة عن حمام كبير يمتد فيه البلاط من الأرض إلى السقف مع حوض يحتوي على أرضية وحمام. قال المدير إنهم سيضعون أيضاً حوض استحمام في الحمام. لا أعرف ما إذا كانوا فعلوا ذلك أم لا.
أثناء تجولنا في هذا المنزل، الذي بني داخل سجن إمرالي، أحضروا أوجلان. كانت المرة الأولى التي يرى فيها المنزل أيضاً. كان رد فعله الأول: «هل كان هذا سبب الضوضاء منذ شهور؟» فأجابه المدير ضاحكاً: «نعم، ستمكث هنا بعد الآن». نظر أوجلان حوله بشكل عرضي وقال: «لا يهمني ما إذا كنت تضعني في مكان واسع مثل الملعب أم في زنزانة، ليس لي حاجة لمثل هذه الأشياء. إذا كنتم تقومون بهذه الأمور من باب الشكليات، فمن الأفضل بألا تقوموا بأشياء خاطئة. المهم هو التركيز على الحل والسلام والمسار الديمقراطي». فوجئ مدير السجن من موقف أوجلان وانزعج بعض الشيء من إهداره كل جهوده. لا نعرف ما إذا كان أوجلان بقي هناك أم أعيد إلى الزنزانة بعد أن أنهى أردوغان عملية السلام.
تم بناء غرفة اجتماعات كبيرة في الطابق العلوي من السجن، مزوّدة بمعدّات مثل آلة صنع الشاي والقهوة.
هناك، أيضاً، كان أوجلان يجتمع بوفد الحكماء. لم أرَ تلك الغرفة، لكن أعضاء آخرين من وفدنا زاروها لاحقاً. في تلك المرحلة، كان من المقرر أن يذهب الوفد إلى إمرالي، ويتم الإعلان عن عملية الحل بكل تفاصيلها، ومن ثم تستمر العملية تحت سقف البرلمان التركي.
وتابع دميرتاش: «الآن، لم أخبرتكم بكل هذا؟ التفت أوجلان إليّ في إحدى لقاءاتنا الأخيرة وقال: أنتم أناس تم اختياركم لتمثيل إرادة الشعب وأنتم في الخارج، فيما أنا موجود على هذه الجزيرة، وأسعى جاهداً من أجل السلام بموارد نادرة، وأبذل قصارى جهدي. أنا صادق في هذا السعي وجاد. لكن إذا عرفت أن الحكومة تحاول خداعي، وخداعكم، وخداع الشعب، وأنها ليست صادقة في سعيها للسلام وتستخدمها لمصالحها الخاصة، فأنتم المسؤولون. اذا لم تتمكنوا من الوصول إلي فلا ينبغي السماح لهم بخداع الشعب».
كانت لدى أوجلان مخاوف وشكوك جدية بشأن نوايا أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، ولم يكن مخطئاً في شكوكه. وزاد حصوله على بيئة «منزلية» في السجن من شكوكه أكثر. ونعم، للأسف، لم يكن أي منا مخطئاً في ذلك.
أنكر أردوغان علمه بالاتفاق الذي كان يعرف تفاصيله كلمة بكلمة وصولاً إلى أماكن الجلوس.
بعد الإعلان عن اتفاقية «دولما باهجه» في 28 فبراير/شباط 2015، أعترف أردوغان ثلاث مرات بإنهائه لعملية السلام. كيف؟ يجيب دميرتاش: في ثلاث مناسبات مختلفة قال أردوغان «لا يوجد شيء اسمه قضية كردية» وذلك في 14 مارس/آذار. وقال بعدها بيوم: «أية قضية كردية يا أخي، لم يعد هناك شيء من هذا القبيل»، وقال في 17 من آذار (مارس) «ليس لدى تركيا قضية كردية».
الآن أسألكم: هل تم الشروع في عملية الحل لمشكلة غير موجودة؟ كان رأي أردوغان يقوم على الفكرة التالية: «إذا لم تكن هناك قضية كردية، فلن يكون هناك حل»، بهذه التصريحات أعلن بوضوح أنه أنهى عملية السلام.
دعونا نلقي نظرة سريعة على ما حدث بعد ذلك. في 20 مارس/آذار، أنكر أردوغان هذا الاتفاق، الذي كان على معرفة بكل تفاصيله كلمة بكلمة، وتدخّل حتى في ترتيب مقاعد الجالسين على طاولة التفاوض، قائلاً: «بصراحة لا أعرف شيئاً عن هذا الموضوع ولا عن وجود شيء من هذا القبيل».
وفي نفس الخطاب، أنكر معرفته بوفد الحكماء الذين عرفهم بالاسم، وقال إنه لا يعلم عنه شيئاً، مضيفاً: «ما الذي سيتغير إذا تم إرسال مجموعة (من الحكماء) إلى هناك؟ (إمرالي)».
وقال الناطق بإسم الحكومة آنذاك بولنت أرينج: «رئيسنا يعرف كل شيء جيداً. من المستحيل ألا يعلم بهذه المستجدات».
لم يكن اهتمام أردوغان منصباً على إلقاء السلاح، بل كان هدفه فقط الإعلان عنه قبل الانتخابات.
وأكمل دميرتاش قائلاً: «كانت هناك انتخابات في يونيو، وكان هدف أردوغان الوحيد هو أن يصبح رئيساً. أراد أن يحصل على تصريح من أوجلان بشأن إلقاء (العمال الكردستاني) للسلاح قبل الانتخابات وتحويله إلى مكاسب في الأصوات للفوز بـ 400 نائب، يخوّله تغيير الدستور ليصبح رئيساً». عندما فشل في تحقيق ذلك، بدأ يقول إنه لا توجد قضية كردية، وأنكر توافق «دولما باهجه»، الذي كان يعرف كل تفاصيله، وأنكر علمه بلجنة الحكماء التي تكونت من أشخاص قام بتزكيتهم شخصياً.
من ناحية أخرى، أصر أوجلان على العمل وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه مسبقاً. فكان تفكير أردوغان كالتالي: «ماذا أفعل بهذا البيان إذا لم يتم الإدلاء به قبل الانتخابات ولم أستفد منه للنجاح في الانتخابات»، فأنهى عملية السلام وبدأ بحملته الانتخابية.
حاولنا لقاء أردوغان 12 مرة لإقناعه
وروى دميرتاش: «بعد الاجتماع الأخير في 5 أبريل، علّق (أردوغان) كل المحادثات مع أوجلان. في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، حاولنا مقابلة أردوغان 12 مرة لإقناعه. التقينا مع الوزراء وهاكان فيدان عدة مرات وقلنا لهم إما أن تقنعوا أردوغان أو تؤمنوا لنا لقاءً لنقنعه نحن، لكن أردوغان كان اتّخذ قراره. لقد خاطر بإضاعة أعوام من العمل، وآمال السلام، وكل شيء فقط ليصبح رئيساً.
لذلك قلت في حينه: «إذا كان الأمر كذلك، فلن نسمح لك بأنك تكون رئيساً». هذا الشعار لا علاقة له بعثمان كافالا. لقد كان انعكاساً لسياسات حزبنا وروحه. وبهذه الروح، تجاوزنا العتبة في الانتخابات وانتزعنا الأغلبية البرلمانية من حزب العدالة والتنمية. بمعنى آخر، في حين كان أردوغان يسعى إلى الحصول على 400 نائب، انخفض عدد نوّابه إلى أقل من 300. وبعدها، مررنا جميعاً وعشنا ولا نزال نعيش الفظائع التي حدثت بين 7 يونيو/حزيران و1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
استخدم صوتك للتغيير
واختتم دميرتاش حديثه المطول بالقول: «أود أن أختم بدعوة للشعب بأسره. أخواتي وإخوتي الأعزاء، لا تقلقوا. بالتأكيد سنضمن السلام والطمأنينة، وسنعيش معاً في أخوّة. الشخص الذي منع تحقيق ذلك حتى الآن هو أردوغان. اذهبوا إلى صناديق الاقتراع في 14 مايو/أيار وعلّموا أردوغان درس الديمقراطية الذي يستحقه، فهو الذي حوّل البلاد إلى نار من أجل قصره وكرسيه. استخدموا صوتكم للتغيير. القضية ليست ما إذا كنت سأخرج من السجن أم لا، أنا مستعد للبقاء في السجن 100 عام من أجل شعبي، لكن مشكلة أردوغان لا تتعلق بي شخصياً، بل بكرسيه. هل أصبح الأمر واضحاً بما فيه الكفاية؟».