لطالما كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان “خطوط حمراء” صرح بها بصوتٍ عالي أمام الرأي العام العالمي، ومن ضمنها التعدي على الأراضي الفلسطينية، حيث أمس، أعلن عن ضرورة وقف الهجمات “الدنيئة” من القوات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، و”في أسرع وقت”، وأكد أنه “لا يمكن لتركيا أن تبقى صامتة حيال هذه الاعتداءات، التطاول على المسجد الأقصى ودوس حرمة الحرم الشريف خط أحمر بالنسبة إلينا”. سنذكر في هذا التقرير خطوط حمراء أخرى كان قد تحدث عنها الرئيس التركي كما الحال في فلسطين.
ولكن السؤال هو هل هذه الخطوط الحمراء شكلية ومن أجل جذب المزيد من الأصوات “المسلمين” في تركيا ضمن حملته الانتخابية؟ أم أن هذه الخطوط لطالما كانت غير مرئية له عندما زاره الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ قبل عام، ليبحثا في العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون في مجالي الطاقة والدفاع، وصرح الرئيس التركي وقتها عن أهمية تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، وقال أردوغان -في مؤتمر صحفي عقب المحادثات- إن تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية مهم جدا لنشر الاستقرار والسلام في المنطقة، مضيفا أنه يعتقد أن “الزيارة التاريخية” للرئيس الإسرائيلي ستكون نقطة تحول جديدة في العلاقات بين الجانبين.
وفي الجانب الاقتصادي، تركيا تقع في المرتبة السادسة ضمن قائمة الدول التي تصدر لها إسرائيل، وذكر الرئيس التركي أن حجم التبادل التجاري بين بلاده وإسرائيل سجل العام الماضي زيادة بنسبة 36% ليبلغ 8.5 مليار دولار، معربا عن ثقته في زيادة قيمته إلى 10 مليارات، وهذا ما يبرهن أن التعاون التجاري بين تركيا وإسرائيل في ازدهار كبير، ويرى محللون بأن سياسة أردوغان هذه “سياسة النفاق” فهو فقط يلعب على مشاعر المسلمين حول العالم وكسب شعبية بين الأترك والعرب.
ويقول البعض الأخر بأن حدة تصريحات وكثرة انفعالات أردوغان عن الحديث حول فلسطين وإسرائيل ليست سوى تعويض عما يفعله في الخفاء. ويضعها البعض ضمن خطة أكبر يحاول فيها أردوغان السيطرة على التنظيمات الإسلامية في العالم العربي، إشارةً إلى تصريحاته بدعم حماس في فلسطين، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
الآن سنأتي إلى الخط الأحمر بشأن سوريا، والذي لا يختلف عن فلسطين كثيراً، ففي أواخر عام 2011مع بداية الثورة السورية، بدأ الخط الأحمر التركي، في حال حصول مجزرة في حماة أو في حمص، واعتبر رجب طيب أردوغان، الذي كان آنذاك رئيساً للوزراء في تركيا، في وقت كان فيه يحظى بأغلبية برلمانية، أن أي دخول أو هجوم من جيش الحكومة السورية على هاتين المدينتين هو بمثابة خط أحمر، وأنّه لن يسمح به مطلقاً. غير أنّ جيش الحكومة السورية اقتحم مدينة حماة في الأول من آب عام 2011، وقتل في اليوم الأول للاجتياح أكثر من مائة وخمسين شخصاً، لم تكن حماه وحدها خطوط حمراء أردوغان في سوريا، بل حمص وحلب والغوطة وغيرها أيضًا إلا أن جميع هذه المدن سُلمت لروسيا والحكومة السورية عبر صفقات كان الرابح الوحيد فيها تركيا على حساب المعارضة السورية وتلاشى الخط الأحمر الواحد تلوى الآخر.
أزيل الخط الأحمر الأخير مع توجه تركيا إلى تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، حيث تتسارع وتيرة التقارب بين تركيا وسوريا لتطبيع العلاقات بين البلدين.
يرى محللون بأن أنقرة تبدو أكثر حرصًا على التطبيع الكامل مع الرئيس السوري بشار الأسد والذي من المؤكد أنها ستكون على حساب المعارضة السورية التي ترى في تركيا الحليف الرئيس والداعم الأول لها، ما يضع المعارضة أمام خيارين: مسايرة تركيا بتطبيعها مع الحكومة وبالتالي فقدانها أسس بقائها وأهدافها، أو الرفض وهو ما يضعها أمام مسار واحد وهو تسليم قيادات المعارضة العسكرية والسياسية للحكومة السورية وهو ما جرى الاتفاق عليه قبل فترة وجيزة من قبل رؤوساء استخبارات تركيا والحكومة السورية.
من جهتها تعتبر المعارضة السورية التقارب التركي السوري خنجرًا في خاصرتها وسوف يؤدي إلى تغيرات جذرية في تعامل الحكومة مع المعارضة، الخاسر الأول والأخير هي المعارضة، وسوف تفقد أهم أوراقها… فما أشبه خطوط أردوغان الحمر في فلسطين وسوريا…؟!