ارتفع منسوب التـ ـوتر في سوريا بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجمـ ـوعات الموالية لإيران على نحو قياسي في الأسبوع الأخير من شهر آذار، بعد تسجيل 3 عمـ ـليات قصـ ـف متبادلة بين الجانبين استخدم فيها الطرفان سـ ـلاح المسيّرات والصـ ـواريخ وقـ ـذائف المـ ـورتر.
ففي مساء الـ 23 من آذار، نفذت مسيّرة اجتازت الحدود العراقية، قاعدة للتحالف الدولي في ريف الحسكة شرق سوريا، ما أدى لمقتل مقاول أمريكي وإصابة 6 جنود أمريكيين.
وردت الولايات المتحدة باستهداف مواقع المجموعات الموالية لإيران في ريف دير الزور، تسببت بمقتل 19 شخصاً من المجموعات الموالية لإيران، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما قالت اللجنة الاستشارية الإيرانية في سوريا، عبر بيان أن الضربات الجوية الأمريكية خلفت 7 قتلى، و7 جرحى.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، أن إجراءات الولايات المتحدة في سوريا -في إشارة إلى قصف مواقع المجموعات الموالية لإيران- كانت تهدف إلى حماية القوات الأميركية هناك، في حين أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن أميركا تحتفظ بحق الرد بالشكل المناسب إذا استُهدفت قواتها.
وبعد هذه الضربات، توالت التصريحات من قبل الجانبين، حيث هدد كل منهما بالرد على الآخر بشكل أكثر حزماً، رافقها تحركات على الأرض.
وفي السياق، قال مسؤولون بالجيش الأمريكي في 31 آذار إن الولايات المتحدة قررت تمديد مهمة المجموعة الهجومية المرافقة لحاملة الطائرات جورج إتش.دبليو بوش لتوفير خيارات لصانعي السياسات بعد الهجمات التي شنتها المجموعات الموالية لإيران على قواعد التحالف الدولي.
وأكد الكولونيل جو بوتشينو المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي تمديد مهمة المجموعة الهجومية المرافقة لحاملة الطائرات.
وقال بوتشينو في بيان إن “تمديد مهمة المجموعة الهجومية المرافقة لحاملة الطائرات جورج إتش.دبليو بوش، وتتضمن سفن لافيت جالف وديلبيرت دي.بلاك وأركتيك، يسمح بخيارات لتعزيز محتمل لقدرات القيادة المركزية الأمريكية للاستجابة لمجموعة من الطوارئ في الشرق الأوسط”.
وأشار بوتشينو إلى نشر مقرر وسريع لسرب طائرات هجومية من طراز إيه-10 في المنطقة.
وقال البيت الأبيض إن الحوادث لن تؤدي إلى سحب القوات الأمريكية المنتشرة منذ نحو ثماني سنوات في سوريا.
وتصاعد التوتر بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية بعد أن أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا المجاورة في 24 شباط عام 2022، لذلك تسعى أمريكا لأن تكون قريبة من حيث القواعد الروسية، حيث يعتقد المحللون أن أمريكا لا تعير اهتماماً بالشرق الأوسط بعد أن أعطت الأولوية رسمياً في سياسات الأمن القومي لروسيا وأوكرانيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادي.
ولكن لأن أمريكا اعتبرت الصين وروسيا خطراً على أمنها القومي، فأنها لن تترك الشرق الأوسط بعد عقدين من الزمان لهاتين القوتين اللتان تحاولان التمدد في الشرق الأوسط منبع الطاقة في العالم. فالشرق الأوسط منطقة لا يمكن الاستغناء عنها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ففيها النفط والغاز الضروريان لمحاربة الصين وروسيا وبالتالي فأن أمريكا لن تنسحب بسهولة من هذه المنطقة مثلما فعلت في أفغانستان، و تمديد مهمة المجموعة الهجومية المرافقة لحاملة الطائرات جورج إتش.دبليو بوش، هو تأكيد على أن الولايات المتحدة لن تنسحب من هذه المنطقة.
أمريكا لديها خصوم أساسيين وتحاول دوماً أن تكون على مقربة من قواعدهم من أجل إضعاف تأثيرهم على المصالح الأمريكية، فلروسيا قواعد عسكرية في سوريا وتحاول التوجه نحو الخليج وبلدان المنطقة، لذلك تريد أمريكا أن تكون على مقربة من تلك القواعد والتضييق أكثر على روسيا التي تحارب في أوكرانيا، لأن بقاء قوات أمريكية بالقرب من قواعدها في سوريا، يجعل روسيا تحتفظ بمزيد من القوات والمعدات فيها، وبالتالي التخفيف على أوكرانيا التي تتلقى دعماً لا محدوداً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
التواجد الأمريكي في سوريا أيضاً يضغط على التواجد الإيراني في المنطقة، سواء في سوريا أو العراق أو حتى لبنان، فسوريا جزء من الهلال الشيعي الذي تسعى إيران لتشكيله، وهذا الطريق يمر من شرق سوريا (الميادين) ووصولاً إلى لبنان. وعليه فأن بقاء القوات الأمريكية في سوريا، يضغط التحركات الإيرانية تحت المجهر الأمريكي، حيث أن أحد أولويات أمريكا في الشرق الأوسط هي حماية إسرائيل، والمعروف أن إيران تكن العداء لإسرائيل، وبالتالي التواجد الأمريكي يخدم هدف منع إيران من تشكيل الهلال الشيعي الذي تخشاه الدول العربية ليس السعودية فقط، بل الأردن حيث كان ملك الأردن أول من حذر من الهلال الشيعي عام 2004.
والمعروف أن روسيا وإيران حليفتان وتكنان العداء لأمريكا، وبالتالي فأن أمريكا لن تنسحب بسهولة من سوريا ولن تترك الساحة لهاتين الدولتين اللتين تعتبرهما عدوتين وخطراً على أمنها القومي.
وأيضاً لأمريكا هدف آخر وهو البقاء بالقرب من الحدود التركية وذلك من أجل ضبط تحركات تركيا العضو في حلف الناتو، فتركيا في عهد رجب طيب أردوغان بدأت بالابتعاد عن حلف الناتو وخلق العراقيل أمامه بالتزامن مع التقارب مع روسيا عدو الناتو، وبالتالي فأن أمريكا ومن خلال بقاءها في سوريا توجه رسالة إلى تركيا بأنها متى ما أرادت فأن تستطيع أن تضع حداً لطمح أردوغان في السيطرة على المنطقة، بل على العكس من ذلك، تستطيع أن تقدم الدعم للكورد الذين تخشى تركيا من أن ينالوا حقوقهم في سوريا وبالتالي هذا ما سيضغط عليها في الداخل التركي وبالتالي ستكون مجبرة على منح الكورد حقوقهم في تركيا أيضاً، وهذا ما لا تريده تركيا.
إلى جانب ذلك، فأن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي ومصالحها في المنطقة، لذلك، فهي تستمر في عملية ملاحقة خلايا التنظيم التي تتلقى الدعم من أطراف مختلفة من بينها تركيا وإيران والحكومة السورية. فانسحاب أمريكا من المنطقة سيفتح الطريق أمام خلايا التنظيم لإعادة لم شملهم وتهديد المنطقة مجدداً.
علاوة على ذلك، بقاء أمريكا في سوريا، يجعلها صاحبة الكلمة الفصل في أي حل مستقبلي للأزمة السورية، فهي قادرة على خلط الأوراق متى ما أرادت إن لم يكن الحل متناسباً مع أهدافها في منع الهلال الشيعي.
أي أن التواجد الأمريكي في المنطقة يرسل رسالة إلى دول محور موسكو التي تضم أيضاً تركيا وإيران والحكومة السورية التي تجتمع غداً في موسكو لعدة أهداف من بينها إخراج أمريكا من سوريا، لأنه بخروجها تستطيع تركيا شن هجمات على شمال وشرق سوريا والقضاء على الكورد فيها، وتتحقق الغاية الإيرانية بتأمين خط الهلال الشيعي المار في سوريا، وتمنح موسكو القدرة على التحكم الكامل بالملف السوري والتفرغ بشكل كامل للحرب في أوكرانيا، وبالتالي تواجدها في سوريا هو رسالة واضحة لهذه الأطراف بأنها موجودة ويجب أن تؤخذ أهدافها بعين الاعتبار.
في الختام لا بد من التذكير بما قاله السفير الأمريكي السابق لدى دمشق، روبرت فورد، عندما قال: المهمة الأمريكية في سوريا ستستمر “إلى أجل غير مسمى بعد سقوط آخر معقل لتنظيم الدولة الإسلامية في الباغوز منذ أكثر من أربع سنوات، وما من نهاية واضحة لها”.