حاولت تركيا خلال سنوات مضت العمل على تغيير الإطار الخارجي لتنظيم «جبهة النصرة»، تماشياً مع الوضع العام، في مسعى من «أنقرة» إيجاد مخرج لها من الحرج الدولي بدعم تنظيم مصنف على لوائح الإرهاب الدولي من جهة، وإعادة إنتاج هذا التنظيم وفق معطيات التطورات الميدانية والعسكرية من جهة أخرى، وذلك من خلال إطلاق تسميات جديدة على تشكيلات عسكرية مُحدثة، برايات وتكتيك مختلفة، ولكنها في النهاية جميعها تصب لصالح هدف واحد، وهو خدمة لأجندات الإسلام السياسي، وراعيته في المنطقة، الدولة التركية.
ساهمت تركيا في تغيير اسم تنظيم «جبهة النصرة» الموالية لـ «تنظيم القاعدة» بدايةً إلى «فتح الشام»، وبعدها إلى «هيئة تحرير الشام»، بهدف تعويمها وإخراجها من لائحة الإرهاب، ورغم رسائل الجولاني وخروجه بزي رسمي للمرة الأولى وذلك في مقابلة مع الصحافي الأمريكي مارتن سميث، اعتبر فيها أن تصنيفه في قوائم الإرهاب غير عادل؛ إذ إن الهيئة لم تشكل أي تهديد للمجتمع الغربي أو الأوروبي بحسبه، إلا أنه تلقى الرفض الدولي بإخراجه من لائحة الإرهاب.
حاولت تركيا مرارًا تعويم جبهة النصرة وساهمت بإرسال الوسائل الإعلامية إلى ادلب وخاصةً الوسائل الموالية للسياسة التركية حتى توضح للرأي العام بأن النصرة منفتحة على وسائل الإعلام، ومثالاً على ذلك فقد أرسلت تركيا صحفية أذربيجانية إلى ادلب وهي مراسلة التلفزيون الأذربيجاني “فافا أغابالاييفا”، حيث ظهرت بدون أن ترتدي الحجاب وهي رسالة للرأي العام والدول الغربية أن النصرة لم تعد متشددة كالسابق، حتى أن تركيا نشرت مقاطع فيديو متقصدة بذلك أثناء دخول تركيات إلى ادلب دون حجاب مع مرافقة وحماية من عناصر النصرة ذاتها.
كل هذه التحركات التركية لاقت الفشل الكبير، حيث تعمل أنقرة مجدداً بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام على تشكيل فصيل جديد بالمنطقة تحت مسمى «تجمّع الشهباء» والهدف هو السيطرة وثبيت وجودها في منطقة عفرين وإعزاز كمرحلة أولى وإزاحة فصائل الجيش الوطني بالكامل عن المنطقة، وتحت هذا الاسم الجديد تحاول الاستخبارات التركية وتحرير الشام تلقي الدعم من الدول الغربية في مسعى منهما إلى الالتفاف على الجهات الدولية فيما يتعلق بوضع تحرير الشام على لائحة الارهاب.
المصادر أكدت، أن أنقرة، ستظهر بمظهر “المخلص” لأهالي عفرين، من فصائل الجيش الوطني، في حال إتمام سيطرة “تجمع الشهباء” على المنطقة، تزامناً مع المظاهرات الشعبية التي قام بها أهالي جنديرس، بعد حادثة مقتل أربعة مدنيين كورد عشية ليلة “عيد نوروز” والتي طالبت بإخراج فصائل الجيش الوطني من عفرين.
وتسعى “أنقرة” في الوقت الحالي لمحاولة تبييض صفحتها أمام الرأي العام العالمي، وخاصة الرأي الغربي، نتيجة الانتقادات اللاذعة التي وجهتها لها هيومن رايتس ووتش بسبب الانتهاكات التي تقوم بها فصائل الجيش الوطني المدعوم منها، ضد الكورد في عفرين والمناطق التابعة لها.
الجدير ذكره أن هيئة تحرير الشام سيطرت في أكتوبر 2022 على مدينة عفرين وعدة نواحي، هذه السيطرة ما كانت لتتم لولا موافقة تركية، خصوصاً أن فصائل موالية لأنقرة شاركت في تنفيذ المخطط إلى جانب الهيئة، لكن واشنطن سرعان ما طالبت تحرير الشام بسحب قواتها وهددت أنقرة بالسماح لقوات سوريا الديمقراطية دخول عفرين في حال عدم مغادرة الهيئة منها.
تركيا حاولت حينها الالتفاف على المطالبة الأمريكية حيث أصدرت إعلاميًا أمرًا بانسحاب تحرير الشام من عفرين، إلا أن ذلك لم يحصل، فقد طالبت الاستخبارات التركية من القيادي في تحرير الشام أبو عبد الله العراقي والمسؤول الأمني عن منطقة عفرين بضرورة إبلاغ جميع عناصر الهيئة إزالة شعارات الهيئة على المقرات والسيارات وارتداء لباس فصيلي الحمزات والعمشات والشرطة العسكرية للتمويه وخداع الرأي العام والدول الغربية، ورغم ذلك فشل مخطط أنقرة – الجولاني لهذا بدؤوا يعملون على تشكيل فصيل جديد تحت مسمى “تجمع الشهباء”… ولكن هل ستنطلي الحيلة على الدول الغربية…؟!