بعد أن كانت قوات الحكومة السورية تقدم الدعم لتنـ ـظيم الـ ـدولة الإسـ ـلامية لاستهداف مناطق الإدارة الذاتية، بدأت مؤخراً وبعد اللقاءات الأمنية والاستخباراتية وعلى مستوى وزراء الدفاع، بتقديم إحداثيات مواقع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا، لتركيا من أجل استـ ـهدافها.
دأبت الحكومة السورية خلال الفترة الماضية بالترويج للهجمات التي كانت تنظيم الدولة الإسلامية يشنها على مناطق شمال وشرق سوريا، عبر نشر إخبار تلك الاستهدافات ونسبها إلى المقاومة الشعبية. ففي ريف دير الزور التي يكن سكانها العداء للحكومة السورية التي تركتهم أمام مجازر تنظيم الدولة الإسلامية مثلما حصل لعشيرة الشعيطات التي أعدم التنظيم أكثر من ألف من شبان العشيرة دفعة واحدة، لا توجد هناك حاضنة شعبية للحكومة السورية.
ولكن قوات الحكومة السورية كانت تروج للهجمات التي كانت خلايا تنظيم الدولة الإسلامية تشنها في المنطقة وتقول إن المقاومة الشعبية هي التي تنفذ الهجمات.
قوات سوريا الديمقراطية وعلى لسان القيادية فيها نوروز أحمد، كشفت أنه منذ القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية جغرافياً في مناطق شمال وشرق سوريا، في 23 آذار عام 2019 في معركة الباغوز، واصلت قواتهم حربها ضد خلايا التنظيم.
وقالت إنه تم منذ ذلك الحين، القضاء على أكثر من 285 خلية من الخلايا النائمة، وإلقاء القبض على 2720 مرتزق وقتل 397 عنصراً من خلايا التنظيم.
ولكن رغم هذا العدد الكبير من القتلى والمعتقلين، إلا أن تواجد الخلايا لم ينتهي في شمال وشرق سوريا.
والمعروف أن تنظيم الدولة الإسلامية يتواجد حالياً في جيوب بالبادية السورية الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة السورية، فقط ولا يوجد له مواقع جغرافية خاضعة لسيطرته في شمال وشرق سوريا، والسؤال الذي يطرح نفسه، من أين يأتي عناصر التنظيم وكيف؟
بالعودة قليلاً إلى الوراء، واعترافات أعضاء الخلايا الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية، فأنهم اعترفوا بأنهم قدموا إلى شمال وشرق سوريا، من مناطق غرب الفرات الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة السورية، حيث تنقلهم قوات الحكومة السورية إلى نهر الفرات وتهربهم عبر طرق التهريب في النهر إلى الضفة الأخرى، ويتولى بعض الموالين لقوات الحكومة السورية في الضفة الشرقية لنهر الفرات، استلامهم ونقلهم إلى منازلهم وتوفير الملاذ والسلاح لهم ليشنوا الهجمات في مناطق شمال وشرق سوريا.
وبالنظر إلى المناطق التي تتعرض للهجمات في شمال وشرق سوريا فهي تكون قريبة من ضفة نهر الفرات في ريفي الرقة ودير الزور، وهي المناطق التي تستطيع قوات الحكومة إيصالهم إليها.
كما أنه خلال هجوم التنظيم على سجن الصناعة في 20 كانون الثاني عام 2022، فأن الهجمات انطلقت من المربع الأمني الخاضع لسيطرة قوات الحكومة السورية، فالجميع يعلم أن المباني التي تحصن فيها خلايا التنظيم المهاجمين على السجن، كلها كانت مباني خاضعة لسيطرة قوات الحكومة السورية وكانت عبارة عن مباني تعليمية، وفرت قوات الحكومة الملاذ الآمن للخلايا ومدتهم بالسلاح وساعدتهم في الهجوم على سجن الصناعة.
عبر دعم خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، تريد الحكومة السورية، ضرب الأمن والاستقرار الذي تمتاز به مناطق شمال وشرق سوريا مقارنة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وكذلك الفصائل الموالية لتركيا والتي يكثر فيها عمليات الاغتيال وجرائم القتل وعمليات النهب والسلب، وذلك من أجل إيصال رسالة مفادها بأن المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية غير آمنة وتشويه سمعة هذه القوات التي تلقت الثناء من مختلف دول العالم لدورها في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي تطور جديد ولافت، وبعد بدء الحديث عن التطبيع بين الحكومة السورية والنظام التركي، جرت لقاءات أمنية غير معلنة وكذلك لقاء معلن بين وزيري الدفاع لدى تركيا والحكومة السورية برعاية روسية.
الحكومة السورية وتركيا يفرقهما عدد كبير من الملفات منها وجود تركيا في الأراضي السورية وتقديمها الدعم للائتلاف السوري والفصائل المسلحة التي تعتبرهم دمشق إرهابية، والتصريحات الكثيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول بشار الأسد ووصفه بالمجرم والقاتل وغيرها الكثير من الصفات، فضلاً عن العداء التاريخي بين تركيا وإيران أكبر داعمي الحكومة السورية. ولكن ما يجمع الطرفين معاً هو موضوع واحد هو العداء المشترك للكورد وللإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
ولذلك في تلك اللقاءات الأمنية على مستوى الاستخبارات ووزارة الدفاع، كان موضوع الكورد والإدارة الذاتية هو الموضوع الأساسي للاتفاق.
فالحكومة السورية، بدأت بتقديم إحداثيات مواقع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا عبر عملاءها من البعثيين الحاقدين على الكورد، لتركيا، من أجل استهدافها بالطائرات المسيرة، وهذا ما حصل كثيراً في القامشلي وبمحيط الحسكة هاتان المدينتان اللتان تتواجد فيهما مربعات أمنية، إلى جانب مدينة كوباني وعين عيسى التي يتواجد فيها قوات الحكومة السورية بناء على اتفاق عام 2019.
الحكومة السورية وتركيا تريان في الإدارة الذاتية التي تتطور في المنطقة والخدمات التي تقدمها، خطراً على نظامهما لذلك تعملان بشكل مشترك على استهدافها من أجل القضاء عليها.
ولا يستبعد المحللون والمتابعون للوضع أن يكون الاجتماع الرباعي المزمع عقده يومي 3 و 4 نيسان القادم على مستوى نواب وزراء الخارجية بين روسيا وتركيا وإيران والحكومة السورية، مخصصاً لوضع مخطط حول كيفية القضاء على الإدارة الذاتية، إذ ترى روسيا وإيران أنه بالقضاء على الإدارة الذاتية سيتخلصان من التواجد الأمريكي في المنطقة، وأنه يمكن البناء على العداء المشترك بين دمشق وأنقرة للكورد والإدارة الذاتية لجمعهما معاً وتشكيل حلف في المنطقة يخدم أهداف هذه الأطراف على حساب دماء الشعب السوري والكوردي بشكل خاص.