شهدت الأيام القليلة الماضية ترتيبات عديدة لعقد الاجتماع الرباعي الذي سيجمع نوّاب وزراء خارجية الحكومة السورية وتركيا وإيران وروسيا، الذي كان مقرّرًا عقده في العاصمة الروسية موسكو كموعد أولي يومي 15 /16 آذار الجاري ضمن مسار التطبيع بين أنقرة والحكومة السورية، إلا أن بعض المعطيات تشير أن الاجتماع قد يتأجل لحينٍ آخر، إذ سبق أن أُلغيت مواعيد أخرى، كحديث تركيا في يناير / كانون الثاني الماضي عن اجتماع لوزراء خارجية الحكومة السورية وتركيا وروسيا في موسكو ثم أبو ظبي.
فعقد الاجتماع أو تأجيله قليلاً لا يعني أنها تخص السوريين، بل هي ضد السوريين وسينعكس سلبًا بشكل أكبر عليهم، إذ أن الاجتماعات السابقة التي حصلت بين هذه الأطراف أثبتت أنها عمّقت مأساة الشعب السوري والتي جرت فيها اتفاقيات لا تدخل في صالح السوريين حيث سلمت بموجبها غوطتا دمشق ونصف العاصمة وحمص وشمالها ،وحلب وغربها، وجنوب ادلب وشمال حماه ومناطق أخرى إلى الحكومة السورية وبالمقابل حصلت تركيا على مناطق أخرى من ضمنها عفرين في إطار صفقات بين هذه الأطراف كانت ضحيتها الشعب السوري الذي عانى كثيرًا من هذه الاتفاقيات ومصالح الأطراف.
موسكو تُقدّم نصر مجاني لأردوغان ضريبته السوريين
تزامنًا مع الذكرى الـ 12 على انطلاق الاحتجاحات السورية تستعد روسيا وإيران والحكومة السورية وتركيا أو وما يُعرف بـ «الضامن» للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري لعقد اجتماع رباعي التي ستزيد من مآساة السوريين لأنها تستهدفهم بالدرجة الأولى.
فبعد 12 عامًا قضاها رجب طيب أردوغان في التحريض العلني على نظام الرئيس السوري بشار الأسد ودعم معارضيه المسلحين، تبدلت تصريحات الرئيس التركي أردوغان بشكل كلي حول موقفه من الأسد وحكومته.
إذ تعد تركيا من الداعمين الأساسيين للفصائل السورية التي خاضت حربًا طيلة هذه السنوات ضد الحكومة السورية، وخاضت صدامات عسكرية كثيرة ضدها، والمعروف أن تركيا حوّلت العرب السنة إلى أدوات دخلت في خدمة مصالحها بحيث استخدمتهم ليس فقط في سوريا بل في ليبيا واليمن وأذربيجان ومناطق أخرى خارج سوريا، ورغم كل ذلك فضّلت أنقرة الفصائل التركمانية على الفصائل السنية بحيث أصبح القرار الفعلي بيد التركمان، وهذا الأمر يسري على الواقع السياسي أيضًا.
واليوم وبعد الانتهاء من هذه الورقة تؤكد المعطيات على الأرض أن تركيا تتجه إلى بيع المعارضة بشكل كلي إلى روسيا وإيران والحكومة السورية، فاللقاءات الاستخبارية التي حصلت في الفترة الأخيرة جرى النقاش فيها حول كيفية العمل على هذه الخطوة من خلال تسليم قيادات في الصف الأول والثاني من المعارضة والفصائل، إلى جانب إعطاء ملف كامل عن مقرات وبيانات وإحداثيات الفصائل.
السبب الأهم للتبدل في موقف أردوغان يكمن في حساباته السياسية الداخلية، قبل انتخابات 2023 الرئاسية، حيث تبرز قضية الهجرة في الصدارة، فقد ضاق الأتراك ذرعًا بملايين السوريين وغيرهم من اللاجئين الذين قدموا للاستقرار في البلاد، إلى جانب تدهور شعبية الرئيس أردوغان وحزبه بشكل متسارع كلما اقترب موعد الانتخابات، وجاء الأداء “غير الجيد”، المليء بالثقوب، لحكومته في التعاطي مع كارثة الزلزال، وتراجع الاقتصاد وأسعار الليرة تحديدًا، ولهذا يحتاج الى الاتفاق مع الحكومة السورية بأي ثمن للتخلص من اللاجئين وترحيلهم ما يعكس مخاطر حقيقية على حياتهم.
إذ أن التقارب التركي مع الحكومة السورية، هو استثمار أنقرة في قضية اللاجئين السوريين، فالرئيس التركي يريد سحب ورقة اللاجئين من يد معارضيه، كي يضمن فوزه في الانتخابات القادمة، ضاربًا عرض الحائط بحق اللاجئين وبمصيرهم، وبالشروط بالغة السوء لحياتهم القادمة في حال عودتهم، إذ يرى أردوغان في اللاجئين ورقة انتخابية يجب الاستثمار بها كما فعل طيلة هذه السنوات.
وتسعى روسيا من خلال استضافة القمة الرباعية تقديم نصر مجاني لتركيا وأردوغان قبل الانتخابات.
اللقاء الرباعي تعويم الأسد مقابل التنازل عن الأراضي السورية
أواخر العام الفائت، قال الرئيس السوري بشار الأسد أنه يرفض اقتراح مقابلة أردوغان حتى لا يمنح نصر مجاني لأردوغان قبيل الانتخابات التركية والانسحاب الكامل للقوات التركية بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر.
ففي حال تراجع الأسد عن شروطه في اللقاء الرباعي فهذا يعني بمثابة تنازل رسمي ومجاني من قبل الحكومة السورية للأراضي الخاضعة للسيطرة التركية في شمال سوريا خاصةً وأن الأراضي التي تحتلها تركيا هي أضعاف ما تحتله إسرائيل في جنوب البلاد.
إذ تبلغ مساحة الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل في الجولان يساوي 1200 كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة الأراضي التي تحتلها تركيا منذ العام 2016 وتدخلها العسكري المباشر بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وقوات سوريا الديمقراطية في إعزاز، جرابلس، الباب، عفرين، رأس العين، تل أبيض يساوي 8500 كيلومتر مربع، عدا عن مساحة لواء الاسكندرون التي يبلغ مساحتها 4800 كيلومتر مربع، حيث يبلغ مجموع ما تحتله تركيا من الأراضي السورية في هذا الحال 13300 كيلومتر مربع.
ويرى خبراء ومحللين سياسيين أن الأسد يسعى للتعويم حتى ولو كان من خلال أردوغان وعلى حساب التنازل عن الأراضي السورية لصالح الأخير، خاصةً وأن الأسد يرى بأن تركيا يمكنها لعب هذا الدور أكثر من الدول العربية لأسباب كثيرة، أبرزها أن تركيا تعتبر طرفًا فاعلاً في الحدث السوري ولها تداخلات جغرافية، وعسكرية وديموغرافية بعكس الدول العربية، كما أن الأخيرة لا تملك الثقل الإقليمي والدولي الذي يؤهلها للعب دور نوعي، ولا يؤهلها أيضًا للضغط على الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، بينما تمتلك تركيا دورها القوي في الملف السوري، ودورها الإقليمي والدولي الفاعل، خصوصًا في ظل الاستقطاب العالمي الحاصل بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن رغم هذا التفاوت بين قدرات هذه الأطراف يبقى السؤال الذي يطرح بقوة: هل تستطيع تركيا تعويم بشار الأسد؟
ففي الوقت التي تقبل فيها الحكومة السورية الجلوس والحوار مع تركيا التي كانت سببًا رئيسيًا في إطالة أمد الصراع منذ أكثر من عقد من الزمن ودخولها بكل إمكانياتها العسكرية والسياسية واللوجستية لإسقاط الأسد وحكومته، فإنها ترفض الحوار مع أطراف من المعارضة الديمقراطية التي دعت مرارًا وتكرارًا لحل الأزمة السورية ضمن إطار سورية موحدة واستعادة جميع الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية.