فوكس برس – آيات عثمان
في الوقت التي تواصل فيها تركيا منذ عدّة سنوات حبس مياه نهري الفرات ودجلة عن الجانبين السوري والعراقي، عن طريق بناء السدود وتخزين المياه داخلها، ما حرم البلدين من حصتهما المائية من النهرين المشتركين، تتجدّد المخاوف من انهيار السدود في حال لو ضرب زلزالٌ جديد المنطقة، خاصةً وأنَّ السدود تقع في مناطق نشاط زلزالي خطير ونشط.
يتسبّب حبس تركيا، للمياه بكوارث معيشية وبيئية، كما يؤثّر بشكل مباشر على الزراعة، والكهرباء، ويتسبب انخفاض منسوب المياه بزيادة تلوّث المياه.
يعيد الزلزالان المدمّران اللذان ضربا 10 ولايات تركية وعدة محافظات سورية، فجر السادس من فبراير / شباط 2023، والذي خلّف حصيلة ثقيلة من الخسائر المادية والبشرية، بخطورة بناء السدود التركية العملاقة في هذه المنطقة الناشطة زلزالياً والواقعة على تقاطع فوالق زلزالية.
السدود لها دور جيولوجي في حدوث الزلزال
الخبير الأردني وأستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية بالأردن د. «أحمد ملاعبة»، قال في تصريح لـ روسيا اليوم، أن «السدود التي بنتها تركيا على حساب سوريا والعراق لها دور جيولوجي في حدوث الزلزال».
وأرجع «ملاعبة» السبب إلى الخزين المائي الضخم لهذه السدود الذي بلغ أكثر من 651 مليار متر مكعب، وهذه كمية هائلة فعلاً ومدمرة وقادرة على إحداث ما يشبه تسونامي مدمر يطاول عدة بلدان عربية تمتد حتى الخليج العربي إضافة إلى تركيا نفسها.
الخبير الأردني أوضح أن هذه «الكمية من المياه في البحيرات تؤثر على القشرة الأرضية وحتى على الأرض بالكامل، وتعادل عشرة أضعاف المياه خلف سد النهضة الإثيوبي وهي تعني الكثير بالنسبة للأرض بشكل كامل.
ويرى «ملاعبة» أنه لو توزعت المياه في أماكن أخرى في اليابسة قد تكون الأمور أسهل مما هو عليه الآن، لافتاً إلى أنه إذا «زادت المياه فهذا ما يؤدي إلى تمددها وزيادة كمية الماء الذي تخزنه وأيضاً تؤدي إلى عملية تمدد أو توسع للكسور الموجودة في الأحواض الجوفية وهذا يؤدي إلى خلخلة أو تكسير لهذه الفوالق الزلزالية وهذا ما حدث بالفعل».
وبناء السدود عادة في أي منطقة، خاصة الكبيرة منها، يؤثر على حركة دوران الأرض وتوازنها، “على سبيل المثال: عندما بني سد ثريغورش في الصين، أثر على دوران الكرة الأرضية حوالي خمس ثواني، وحبس مياه السدود في تركيا سيؤثر بشكل سلبي على توازن الطبقات الأرضية”، بحسب الخبير في شؤون السدود والمياه.
من شأنه إحداث دمار هائل
الباحث السوري، محمد رقية، كشف في مقال نُشر سابقاً، أن عدد السدود في تركيا وصل إلى 579 سداً، مشيراً إلى أن تركيا تعتبر من أكثر الدول في العالم تعرضاً للزلزال، وأن السدود التركية الأناضولية تقع في مناطق نشاط زلزالي مخيف.
وأضاف «رقية» أن تكوين عدد كبير من البحيرات الاصطناعية خلف السدود ستولد نشاطاً زلزالياً إضافياً بسبب تحميل القشرة الأرضية ما هو فوق طاقاتها التحملية وهذا يساعد ويفعّل نقاط الضعف والتصدعات في فوالق المنطقة وخاصة فالق الأناضول، الأمر الذي سيتسبب في حدوث زلازل قوية ذات تأثير إقليمي.
وحذّر «رقية» من أنه إذا انهار سد تركي أو أكثر من السدود العملاقة، فإنه من شأنه إحداث دمار بمناطق شرق سوريا وغرب العراق، وأن الجدار المائي الطوفاني سيصل إلى الخليج العربي جارفة معه مدن وقرى كاملة.
إيقاف سد تشرين عن العمل
أوقفت الإدارة العامة للسدود في شمال وشرق سوريا سد تشرين عن العمل لمدة أسبوع بسبب استمرار حبس تركيا واردات نهر الفرات عن الأراضي السورية.
وقالت الإدارة العامة للسدود في تصريح كتابي، أمس الأربعاء إنه “بسبب النقص الحاد للوارد المائي القادم من تركيا منذ سنة كاملة لنهر الفرات ومدى تأثيره على البحيرات الموجودة على نهر الفرات، إن كانت بحيرة سد تشرين أو بحيرة سد الفرات ولإنقاذ موسم 2023 الزراعي الذي يروى من بحيرات الفرات، تم اتخاذ قرار إيقاف سد تشرين لمدة أسبوع”.
وأشارت إلى أنه “إن بقي الوارد المائي القادم من تركيا ضعيف سوف نضطر لتوقيف سد تشرين لفترات متقطعة يحدد عبر برنامج مدروسة من قبل الادارة العامة للسدود والمؤسسات المعنية”.
واستنزفت البحيرات القائمة وراء السدود في شمال وشرق سوريا مخازينها الاستراتيجية في الأشهر الماضية مع استمرار حبس الفرات من الجانب التركي، وازدادت الأمر سوءً مع استمرار حبس الفرات في موسم فيضان الفرات.
فسوريا تعتمد على نهر الفرات في 80 في المئة من احتياجاتها المائية، وهو العمود الفقري لمشروعاتها الكهربائية وخططها التنموية، وأكثر من ثلث مناطق سوريا تعتمد على نهر الفرات لتوليد الطاقة الكهربائية.
وبحسب خبراء، فإن سد الفرات وحده كان ينتج ما يقارب 800 ميغاواط من الطاقة الكهربائية في الساعة، ويغذي نهر الفرات أكبر المحافظات السورية حلب والرقة ودير الزور بمياه الشرب، كما يغذي معظم المناطق السورية بالكهرباء، إلا أن معدل إنتاجه انخفض اليوم بشكل مخيف بسبب انخفاض مستوى المياه فيه، وهذا الانخفاض لن يؤثر في إنتاج الكهرباء فحسب بل شكل أيضاً تهديداً لمياه الشرب والزراعة والتلوث وانتشار الأمراض والأوبئة.