مع الحديث عن تفاهمات تركية روسية حول فتح الطرق الدولية في سوريا في إطار التطبيع بين دمشق وأنقرة، وخصوصاً طريق (ام فور) الواصل بين ميناء اللاذقية ومناطق شمال وشرق سوريا مروراً بإدلب وحلب، تسعى هيـ*ـئة تحـ*ـرير الشـ*ـام لفر*ض سيـ*ـطرتها على جميع المعابر الواصلة مع مناطق الإدارة الذاتية والحكومة السورية على حد سواء لتحقيق عدة أهداف تركية في آن واحد.
ومع العزم التركي لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، بدأت بمخطط تمكين هيئة تحرير الشام المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة في مناطق الشمال السوري وذلك بفتح الطريق أمام سيطرتها على عفرين ونظراً للرفض الشعبي للهيئة سعت تركيا لتمكين الهيئة عبر حركة أحرار الشام الإسلامية التي تتحرك في ظل هيئة تحرير الشام.
ووفق المخطط التركي أصبحت هيئة تحرير الشام تتواجد في جبال اللاذقية وريف حماة وعموم محافظة إدلب وفي ريف حلب أي من اللاذقية وصولاً إلى تخوم منبج وكوباني على نهر الفرات، وهذه المناطق تمتد من مناطق سيطرة الحكومة السورية حتى مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
الغاية التركية من تمكين هيئة تحرير الشام ووضعها في خطوط الجبهة هو استخدامها في القتال ضد قوات الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، وسبق لقسد أن كشفت في أيار العام الماضي أن تركيا تريد تشكيل حزام أسود على امتداد الجبهات من أجل استخدام الهيئة في القتال ضدها.
وتستخدم تركيا هذا المخطط من أجل استخدام جبهة النصرة ضد الحكومة السورية في حال فشل التطبيع معها كمرحلة أولى واستخدامها مرة أخرى في حال فوز أردوغان بالانتخابات المقررة في أيار القادم من أجل تحقيق الأهداف التركية بالسيطرة على حلب والحسكة والرقة ودير الزور وهذه المناطق تراها تركيا جزءا من أراضيها وفق ميثاقها الملي.
ومع استمرار الاجتماعات بين تركيا والحكومة السورية برعاية روسية، بدأت تركيا بتسليم المعابر لهيئة تحرير الشام، فالهيئة تسيطر على معبر باب الهوى الذي تدخل منه المساعدات الأممية، كما تسيطر على المعابر مع قوات الحكومة السورية خصوصاً في منطقة سراقب وريف حلب وعلى وجه التحديد في منطقة الباب، كما تسيطر الهيئة عبر أحرار الشام على معبر الحمران الواصل مع منطقة منبج.
وحاولت تركيا مؤخراً إظهار أن هناك خلاف بين حركة أحرار الشام التي تسيطر على معبر الحمران وبين السلطان مراد المدعومة من تركيا وذلك من أجل إبعاد الشبهات عن تحركاتها ومخططها لتمكين هيئة تحرير الشام وتمددها في المناطق الخاضعة لسيطرتها خصوصاً أن الهيئة بدأت تنتشر بشكل علني في مناطق دخلتها تركيا بقواتها مثل عفرين والباب وجرابلس، إذ تخشى تركيا من غضب المجتمع الدولي وخصوصاً أمريكا التي ترى في هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية يجب تحييدها.
ولا يمكن استبعاد أن يكون موضوع الخلاف بين أحرار الشام والسلطان مراد على معبر الحمران قد يكون الهدف منه نقل هيئة تحرير الشام بشكل مباشر إلى هناك وتسليمها المعبر وذلك بحجة أن تكون الهيئة قوة فاصلة بين الطرفين تتولى إدارة المعبر على أن تقدم بعد العائدات المالية لأحرار الشام والسلطان مراد، وبذلك تكون تركيا قد استكملت نقل تحرير الشام إلى الجهة المقابلة لمنبج وإبعاد الشبهات عن نفسها بأنها هي من تقف خلف ذلك.
فكما هو معلوم فإن كل ما يجري في الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا، يجري بأوامر من الاستخبارات التركية ولا تستطيع هيئة تحرير الشام ولا أي فصيل من فصائل الجيش الوطني خطو خطوة واحدة دون أوامر الاستخبارات التركية، وبالتالي فإن كل ما يجري في الشمال السوري هو من تخطيط الاستخبارات التركية.
أما الهدف الثاني لتركيا من تسليم المعابر لهيئة تحرير الشام، هو رفع صفة الإرهاب عنها وإجبار جميع الأطراف على التعامل معها واعتبارها فصيلاً معتدلاً، إذ سبق لتركيا أن قامت بالعديد من الخطوات لرفع صفة الإرهاب عن الهيئة في البداية عبر جمعها مع عدة مجموعات أخرى وإطلاق اسم جبهة فتح الشام عليها ومن ثم تغيير اسمها إلى هيئة تحرير الشام. ولكن رغم ذلك لم ينخدع المجتمع الدولي بهذه المحاولات.
أما الهدف الثالث فهو السيطرة على طرق التجارة، إذ تستغل تركيا الوضع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه الحكومة السورية لفرض رؤيتها عليها ألا وهي القبول بهيئة تحرير الشام، فمع الحديث عن فتح الطريق الدولي (ام فور) الواصل بين حلب واللاذقية في إطار التفاهمات الروسية التركية حول التطبيع بين أنقرة ودمشق، تسعى تركيا لإجبار الحكومة على التعامل مع هيئة تحرير الشام التي تسيطر على المعابر على طول الطريق الدولي، وبالتالي ضمان أن يكون هناك حصة لهيئة تحرير الشام من أجل تقوية نفسها مادياً من عوائد المعابر بهدف التخفيف نسيباً على تركيا في ظل الازمة الاقتصادية التي يعانيها النظام التركي نفسه.