أحمد خليل
تواصل تركيا عملية التطبيع مع الحكومة السورية، وفي السياق عقد مؤخراً اجتماع بين فصائل موالية لتركيا والحكومة السورية بحضور أمنيين أتراك وروس، وذلك للمصالحة بينهما تمهيداً لخطوات أخرى قد تتضمن تسليم قادة عسكريين من العرب السنة للحكومة السورية.
تمضي تركيا في التطبيع مع الحكومة السورية برعاية روسية، وتحاول أن تضمن لها دوراً في مستقبل سوريا عبر الفصائل المسلحة الموالية لها. فتركيا شكلت العشرات من الفصائل في سوريا خلال السنوات الماضية وأطلقت عليهم أسماء سلاطين عثمانيين ووضعتها تحت إشراف التركمان في سوريا، في حين جعلت العرب السنة مقاتلين مرتزقة يعملون لتطبيق أجنداتها في سوريا وليبيا وأذربيجان وغيرها من المناطق.
فقادة الفصائل من التركمان كانوا يرسلون العرب السنة للموت في الحروب ويجعلون أنفسهم شركاء لهم في رواتبهم، ومن كان يخرج من بيت الطاعة يتعرض للتصفية، وتغتصب نساءه.
ورغم ما كان يجري، كان السوريون مخدوعين بالتصريحات التركية، ولكن ما أن بدأت تركيا بإطلاق تصريحات التطبيع، حتى بدأت الحقائق تتكشف أمام الجميع رويداً رويداً وبدأ الضباب ينقشع. ولكن يبدو أن إدراك حقيقة الأتراك من قبل السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرتهم والذين يقاتلون من أجلهم لن تشفع لهم أبداً، لأن تركيا تواصل خطوات التطبيع ومعها تستمر بمخططاتها ضد هؤلاء الذين ربما لن يدركوا الحقيقة حتى يقع الفأس بالراس كما يقول المثل الشعبي.
ففي إطار مخطط تركيا للمصالحة بين دمشق وبعض الفصائل الموالية لها أو حتى بعض قيادات الفصائل من التركمان التابعين لها، عقد في منتصف شهر كانون الثاني اجتماع بين قادة فصائل تابعة لتركيا والحكومة السورية بحضور أمنيين روس وأتراك.
الاجتماع تطرق إلى خطوات المصالحة بين الفصائل والحكومة والخطوات الواجب اتخاذها من قبل الفصائل لضمان موقع لها في مستقبل قوات الحكومة السورية، إذ حاول الأتراك اللعب على الوتر الطائفي خلال الاجتماع من خلال الإشارة بأن العلويين الذين قتلوا طيلة سنوات الأزمة السورية قتلوا على أيدي العرب السنة من خلال القول بأن أعداد التركمان قليلة في سوريا وهم هربوا من السنة أيضاً إلى داخل تركيا ولم تتلطخ أياديهم في قتل عناصر قوات الحكومة السورية.
بهذه الطريقة حاولت تركيا إبعاد قادة الفصائل من التركمان من الجرائم التي ارتكبتها فصائلهم بأوامر وأوامر الاستخبارات التركية.
روسيا بدورها التي تعاني من مأزق بعد بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا شباط العام المنصرم، فهي تريد بأي شكل من الأشكال مصالحة الأتراك والحكومة السورية من أجل كسب الأتراك إلى جانبها والالتفاف على العقوبات الغربية من خلال تركيا، لذلك فهي تضغط على الحكومة السورية من أجل قبول الطرح التركي.
وتطرح تركيا تطبيق نموذج الجنوب السوري في الشمال السوري أيضاً، من خلال دعوة الروس لتشكيل فيلق مشابه للفيلق الثامن في الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا أيضاً.
وبحسب المعلومات الواردة فأن تركيا وعدت بأن نحو 20 ألف مسلح سيجرون المصالحة مع الحكومة السورية وسينضمون إلى الفيلق الذي ستشكله روسيا، مقابل الاحتفاظ هؤلاء العناصر بأسلحتهم الفردية.
وفي الوقت نفسه تستعد تركيا للتضحية بالائتلاف والعرب السنة الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها وكذلك عناصر الفصائل الذين يحاربون من أجل مصالح تركيا لقاء المال فقط، فهي ترى فيهم مرتزقة والتخلص منهم عبر تسليمهم للحكومة السورية سيحررها من الالتزامات المالية وكذلك من المشاكل التي يمكن أن يخلقها هؤلاء عبر الخروج من بيت الطاعة ورفع السلاح بوجه تركيا والمقربين لها من الفصائل.
أما موضوع إبقاء السلاح الفردي لدى الفصائل التي ستصالح الحكومة السورية، هو من أجل استخدام هؤلاء في تنفيذ الرغبات والمطالب التركية في حال حاولت دمشق أو موسكو الالتفاف على التفاهمات التي حصلت بينهم وبين تركيا، أي أنها تريد الإبقاء على هؤلاء في الشمال السوري وخصوصاً في عفرين بعد تغيير ديموغرافيتها لتضمن بقاء الكورد بعيدين عن منازلهم وتضمن بقاء هؤلاء بجانب حدودها لاستخدامهم وقت الحاجة وتسهيل إيصال السلاح والذخيرة لهم في حال حاولت الحكومة السورية التخلص منهم.
ولكن تركيا لا تعمل على هذا المخطط فقط، بل لديها مخططات أخرى تعمل عليها بالتوازي، فهي تسعى لفتح الطريق الدولي بين حلب واللاذقية بناء على الطلب الروسي من أجل تحقيق المنفعة المادية، ففتح الطرق الدولية يعني أن البضاعة التركية ستغزو الأسواق السورية التي تدمرت معاملها ومن سوريا ستغزو الأسواق العربية خصوصاً اللبنانية والأردنية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلدان، في ظل ضعف التجارة بين تركيا ومصر والخليج العربي بسبب سياسات أردوغان تجاه هذه الدول في السنوات السابقة وما تركته من أثار في نفوس شعوب تلك الدول.
وفي مخطط ثالث، تعمل تركيا على توسيع سيطرة هيئة تحرير الشام في مناطق الشمال السوري الخاضع لسيطرتها، وذلك من أجل استخدام الهيئة كورقة تهديد ضد الروس والحكومة السورية وكذلك من أجل إبقاء سيطرتها في الشمال السوري لو فشل التطبيع مع دمشق.
بالمحصلة المخططات التركية تخدم تركيا فقط، فهي من جهة تحاول خداع العرب السنة من خلال تسليمهم للحكومة السورية سواء كانوا من المعارضة السياسية أو العسكرية أو مدنيين، ومن جهة تحاول خداع الحكومة السورية عبر الإبقاء على هيئة تحرير الشام كحجر عثرة في طريق سيطرتها على الشمال السوري خصوصاً أن الهيئة باتت تنتشر من جبال اللاذقية مروراً بإدلب وصولاً إلى ريف حلب ونهر الفرات على طول جبهة تقدر بمئات الكيلومترات وبالتالي أن أي عملية عسكرية من الحكومة السورية تتطلب مئات الآلاف من العناصر وهو عدد غير متوفر لديها.