ما زالت التحليلات وكشف كواليس اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع روسيا والحكومة السورية وتركيا ورئيس استخباراتهم تتواصل في الوسائل الإعلامية، لكن دون الكشف عن التفاصيل تتعلق بالمعارضة السورية المدعومة تركياً وعن الخلافات ضمن أروقة الحكومة السورية.
والتقى وزراء دفاع ورؤساء استخبارات الحكومة السورية وروسيا والدولة التركية في موسكو يوم الثامن والعشرين من كانون الأول الجاري، ووصفت وزارات دفاع الأطراف الثلاثة بأن الاجتماع كان إيجابياً، رغم اختلاف مصالح الأطراف الثلاثة. ولكن يبدو أن الاجتماع قد حقق بعض الاختراقات خصوصاً فيما يتعلق بالضغط الروسي على دمشق ومطالب الأخيرة من أنقرة.
ومن المعروف أن اجتماعات عدة عقدت مؤخراً بين رئيس مكتب الأمن الوطني لدى الحكومة السورية علي مملوك ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، من أجل التحضير لاجتماع دبلوماسي بين وزراء خارجية الدول. لكن الحكومة السورية كانت مُصرة على تأجيل عقد لقاءات رفيعة المستوى بسبب خلاف داخلي يتعلق بـ علي مملوك ذاته الذي كان يعقد الاجتماعات.
فالحكومة السورية كانت ترفض الاتفاقات التي توصل إليها مملوك مع فيدان، وكذلك عقد اجتماع بحضور مملوك نائب بشار الأسد للشؤون الأمنية، لأن دمشق ترى أن مملوك هو من فتح الباب أمام تركيا لدخول الأراضي السورية وتعتبره رجل تركيا وروسيا في سوريا.
وتدرك دمشق أن تركيا العضو في حلف الناتو إن دخلت أرض دولة لا تخرج منها لأنها تتلقى الدعم من هذا الحلف، وبالتالي ترى أن خروجها من سوريا يكون شبه مستحيلاً دون مقاومة عسكرية شاملة لا تقوى عليها دمشق.
ولذلك أصرت على عدم حضور علي مملوك الذي يعتبر نفسه الرجل الأول في سوريا، في الاجتماع، خشية من أجل يجري الاجتماع بما يخدم مصالح تركيا وروسيا فقط دون أي اعتبار لمصالح الحكومة السورية، ولكن يبدو أن موسكو نجحت في ضغوطها على حكومة دمشق وخصوصاً أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ شهر في سوريا لروسيا يد فيها، عبر منع وصول إنتاج آبار البترول (الآبار تنتج يومياً 80 ألف برميل نفط يومياً) الواقعة تحت سيطرتها في البادية السورية إلى مصافي الحكومة السورية لإجبار الحكومة السورية للنزول عند رغباتها.
لم يكن وحده الضغط الروسي حاضراً، بل كانت هناك إغراءات تركية للحكومة السورية، فالنظام التركي يمر بمرحلة حرجة من عمره لأنه مقبل على انتخابات وسط تدهور شعبية أردوغان، ولذلك يرى هذا النظام في تطبيع العلاقات مع دمشق لإعادة اللاجئين أولاً ومواجهة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عسكرياً ثانياً، طوق النجاة له ولتأمين أصوات القومويين الأتراك في الانتخابات المقبلة.
ولذلك، كانت هناك وعود تركية للحكومة السورية بتسليم 5 شخصيات معارضة سورية تابعة لتركيا للحكومة السورية كطعم لجلب دمشق إلى طاولة الجلوس، وهذا الوعد تم التأكيد عليه مجدداً خلال اللقاء. ولكن ما لم يتم معرفته فيما إذا كانت هذه الشخصيات سياسية أم عسكرية.
ومؤخراً ألقت القوات التركية القبض على بعض قيادات الفصائل الموالية لها من الضباط المنشقين عن قوات الحكومة السورية، ونقلتهم إلى تركيا، حيث انتشرت أصوات على صفحات الفصائل عن نقل رائد يدعى وائل عكرمة إلى تركيا بعد إلقاء القبض عليه.
وقال معارضون عسكريون إن عكرمة هو من أوائل المنشقين عن قوات الحكومة السورية وقاتل في القصير بريف حمص وكذلك في حلب وريفها كضابط ميداني. وتساءلوا عن سبب اعتقاله كونه لم يقدم على شيء يخالف تركيا في مناطق سيطرتها.
وخلص الاجتماع إلى دعم روسي ومن قبل الحكومة السورية للنظام التركي في الانتخابات المقبلة بما يضمن له الفوز في الانتخابات خدمةً للأجندات الروسية التي ترى في أردوغان حليفاً يسبب المضايقات لحلف الناتو ويساعدها في الكثير من المواقع.