يطلق الرئيس التركي ومسؤولو حكومته بين الحين والآخر تصريحات حول التقارب مع الحكومة السورية، وهو الذي وصف بشار الأسد مراراً وتكراراً بالمجرم وأنه يستحيل عليه أن يجلس معه على طاولة واحدة، إذن والحال هذه فما الذي تغيّر وماهي دوافع أردوغان من هذا التقارب.
بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أشهر بإطلاق تصريحات حول التقارب مع الحكومة السورية بعد أن فشل في الحصول على ضوء أخضر من روسيا وأمريكا وكذلك إيران في إطلاق هجمات برية جديدة في الشمال السوري تتيح له متنفساً في ظل تفاقم الأزمات في الداخل التركي وخصوصاً الاقتصادية وتحالف 6 أحزاب معارضة ضده في الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها في حزيران العام المقبل.
وأمام تفاقم الأوضاع وازدياد الاستياء الشعبي ونزيف الأصوات الذي يعاني منه أردوغان قبيل الانتخابات، رأى بأن الخلاص لوضعه الصعب والبناء على شيء يمكن من خلاله أن يقوم بالدعاية لشخصه، يكمن في التقارب مع الحكومة السورية خصوصاً التخلص من موضوع اللاجئين السوريين الذي يؤرقه ويزيد من الضغوط الشعبية عليه مع تزايد حالة الاحتقان في الداخل التركي من هؤلاء اللاجئين.
وبطبيعة الحال، فأن موسكو هي التي شجعت أردوغان على هذه التقارب من خلال استثمار الورقة الكوردية، عبر دعوة أردوغان لتعديل اتفاقية أضنة الأمنية الموقعة عام 1998 بين الحكومتين التركية والسورية التي تستهدف الشعبي الكوردي في سوريا عبر وسمه بالإرهاب، والبناء على هذه الاتفاقية لتوجيه ضربه للكورد تمكن الحكومة السورية أولاً من استعادة السيطرة على المنطقة ومن ناحية أخرى تتيح لأردوغان أن يبني عليها للدعاية لنفسه في الانتخابات المقبلة.
ولكن هل فعلاً أردوغان جاد في التطبيع مع دمشق أم أنها مرحلة مؤقتة يريد من خلالها اجتياز اختبار الانتخابات وتعود بعدها حليمة لعادتها القديمة كما يقول المثل ؟
لنعد قليلاً إلى الوراء وماذا قال أردوغان عن الأسد خلال سنوات الأزمة المختلفة، وحينها يمكن لأي شخص أن يدرك حقيقة أردوغان، فماذا قال أردوغان:
تشرين الثاني 2011: تستطيع أن تبقى في السلطة بالدبابات والمدافع فقط لفترة معينة ليس إلا، وسيأتي اليوم الذي سترحل فيه أنت أيضاً
أيلول 2012: إن بشار الأسد بات ميتاً سياسياً
كانون الأول 2012: سندعم الثورة السورية حتى النهاية…. بشار الأسد طاغية قتل 50 ألفاً من شعبه وعليه الرحيل
حزيران 2013: أنا متأكد من أن الرئيس السوري بشار الأسد سيرحل عاجلاً كان أم آجلاً
آب 2013: إن أي تدخل عسكري ضد النظام السوري يجب أن يهدف إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد
تشرين الأول 2014: أن رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، ستظل أولوية لتركيا
تشرين الأول 2014: لا يمكننا ترك مصير اللاجئين السوريين بأيدي الأسد المجرم الذي يمارس إرهاب الدولة.
تشرين الثاني 2015: لا يمكن للأسد أن يضطلع بأي دور في مستقبل سوريا
نيسان 2016: إن خمسمائة ألف شخص قُتلوا بسبب الصراع السوري وبواسطة الأسلحة التقليدية، لذا لا بد من محاسبة الرئيس السوري بشار الأسد أمام القضاء الدولي
حزيران 2016: سوريا تشهد ممارسة إرهاب الدولة، ويوجد مجرم على رأس هذا العمل…. على البشرية جمعاء أن تُقصي رئيس النظام السوري بشار الأسد.
تشرين الثاني 2016: تدخلنا بسوريا لإنهاء حكم الأسد الوحشي
كانون الأول 2017: الأسد قطعا إرهابي نفذ إرهاب الدولة… كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه
شباط 2018: في أي شأن سنتحدث مع قاتل تسبب بموت مليون سوري
أيلول 2018: لا يمكن للرئيس السوري بشار الأسد أن يظل في السلطة
شباط 2020: “النظام والقوات الروسية التي تدعمه تهاجم المدنيين باستمرار وترتكب مجازر.
تموز 2021: أردوغان متعهداً اللاجئين السوريين: ما دمنا في السلطة بهذا البلد فلن نلقي بعباد الله الذين لجؤوا إلينا في أحضان القتلة”.
كانون الثاني عام 2022: إن الرئيس السوري بشار الأسد ما كان ليصمد دون دعم روسيا.
19 آب 2022: هدفنا ليس الانتصار على نظام الرئيس السوري بشار الأسد… يجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا.
أما آخر تصريحاته فكانت الدعوة إلى التطبيع مع الحكومة السورية وإمكانية اللقاء مع بشار الأسد وإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا.
هذه التصريحات تؤكد ومن دون شك أن أردوغان يحاول استخدام الحكومة السورية كأداة من أجل الفوز في الانتخابات على المعارضة.
وبعد الفوز في الانتخابات سيحاول أردوغان مجدداً الانقلاب على الحكومة السورية ودليل ذلك تمسكه بهيئة تحرير الشام وتسليم المناطق التي دخلها الجيش التركي لهذا التنظيم الذي صنفته الأمم المتحدة كمنظمة إرهابية.
ولكن يبقى السؤال: هل ستنخدع الحكومة السورية بتصريحات أردوغان وتهديه فوزاً مجانياً في الانتخابات المقبلة أم أنها ستنتقم من انقلابه عليها ودعمه للمعارضين لها وترفض التطبيع إلى ما بعد الانتخابات؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.