تشهد مناطق الحكومة السورية منذ الأيام العشر الأخيرة حركة نزوح نشطة باتجاه مناطق شمال وشرق سوريا، بحثاً عن الأمن والاستقرار وظروف اقتصادية أفضل.
ومنذ نحو شهر، بدأت الأزمات تتفاقم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مع ارتفاع أسعار المحروقات وفقدانها بشكل شبه كلي، وهذا ألقى بظلاله على مختلف مناحي الحياة.
فالحكومة السورية وعدت المواطنين بتوزيع 50 لتر من مازوت التدفئة بسعر مدعوم (500 ليرة للتر الواحد) على الأهالي مع دخول الشتاء، ولكنها لم تكن قادرة على توفير المحروقات لتحريك آليات مؤسساتها، فما بالك بتوفيرها للمواطنين، وهذا ما جعل المواطنين يعيشون الشتاء بدون وسيلة تدفئة، خصوصاً مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي وتزويد المواطنين بها لمدة ساعة واحدة مقابل 23 ساعة قطع.
وأدى فقدان المحروقات إلى توقف وسائط النقل وبذلك لم يعد بإمكان المواطنين التوجه إلى وظائفهم وأعمالهم، كما لم يعد بإمكان الطلبة التوجه إلى مدارسهم والجامعات.
وألقى فقدان المحروقات بتأثيراته على الوضع الاقتصادي، إذ فقدت المواد الغذائية في الأسواق وارتفعت أسعارها بشكل كبير، وتوقفت غالبية الأفران عن انتاج الخبز، كما توقفت عمليات الزراعة.
هذه الأسباب وأسباب أخرى مرتبطة بالقبضة الأمنية لدى قوات الحكومة السورية وانتشار الحواجز وفرضها للإتاوات على تنقل الأهالي، أثقلت كاهل المواطن، في ظل ضعف الحكومة السورية وعدم قدرتها على إيجاد طرق حل للأزمات التي تتفاقم يوماً بعد يوم.
هذه الأسباب دفعت المواطنين للتفكير بالهرب من الواقع السيء الذي يعيشونه في ظل عدم وجود ضوء في نهاية النفق المظلم، فالأزمات تتلاحق والحكومة السورية تتخذ قرارات تخدم تجار الحرب والأزمة وتثقل كاهل المواطنين.
وأمام هذا الوضع، يكون أمام المواطنين طريقان، إما التوجه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها أو مناطق الإدارة الذاتية.
ولكن لا تختلف المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا والفصائل التابعة لها كثيراً عن مناطق الحكومة السورية من حيث ارتفاع أسعار المحروقات وبقية السلع، لاعتمادها على الليرة التركية كعملة رسمية في التعامل في ظل انهيارها المستمر أمام الدولار نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا أيضاً.
فسعر لتر البنزين المستورد بلغ 1.211 دولاراً اليوم، أي ما يعادل 8 آلاف و200 ليرة سورية. بينما بلغ سعر لتر المازوت المستورد 1.078 دولار أي 7300 ليرة سورية. أما المازوت المحسن فبلغ 0.662 دولار (4500 ليرة) أما مازوت التدفئة فبلغ 0.532 دولار (3600 ليرة).
وهذه الأسعار ليست أفضل بكثير عن مناطق سيطرة الحكومة السورية التي وصل لتر المازوت فيها إلى 9 آلاف ليرة ولتر البنزين إلى 14 ألف ليرة.
في حين يبلغ سعر ربطة الخبز في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها إلى 5 ليرات تركية للربطة الواحدة بعدد 8 أرغفة، أي نحو 1750 ليرة سورية، في حين أن سعرها في مناطق الحكومة السورية هو 500 ليرة سورية.
فضلاً عن أن قادة الفصائل الموالية هم أيضاً مثل ضباط الحكومة السورية يتحكمون بكل مفاصل الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرته ويشاركون المواطنين في لقمة عيشهم وينهبون ممتلكاتهم، علاوة على فلتان السلاح في هذه المناطق واندلاع اشتباكات مستمرة بين الفصائل يدفع ثمنها المواطنون فقط.
وأمام هذه الأوضاع، يفضل الأهالي التوجه إلى مناطق شمال وشرق سوريا، رغم تعرضها بشكل مستمر للهجمات التركية. حيث توجه المئات من أهالي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية مؤخراً إلى مناطق شمال وشرق سوريا، بهدف العيش فيها.
وبحسب القادمين، فأن هذه المنطقة تتوفر فيها فرص عمل سواء لدى الإدارة الذاتية التي لا تميز بين السوريين، أو فرص العمل في القطاع الخاص، وبرواتب مرتفعة جداً مقارنة مع بقية المناطق، فضلاً عن وفرة المحروقات والسلع الأساسية وانخفاض أسعارها.
فسعر لتر مازوت التدفئة يبلغ 160 ليرة سورية، فيما يتوفر نوعان آخران من المازوت أحدهما بـ 425 والثاني بـ 1200 ليرة وهو من النوعية الممتازة، في حين يبلغ سعر لتر البنزين 210 ليرة سورية. أما الخبز فتباع الربطة بسعر 300 ليرة ويتم توزيعها في الأحياء عبر الكومينات من خلال دفاتر العائلة، حيث تحصل كل عائلة على حاجتها من الخبز بحسب عدد أفرادها.
ولذلك يفضل المواطنون في مناطق سيطرة الحكومة السورية التوجه نحو مناطق الإدارة الذاتية، خصوصاً أن عشرات المثقفين والادباء من مناطق الحكومة سبقوا وأن توجهوا إلى مناطق الإدارة الذاتية وكان لهم دور كبير في توضيح الوضع بمناطق شمال وشرق سوريا لأهالي نتيجة الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها مناطق الإدارة الذاتية من قبل الحكومة السورية والفصائل الموالية لأنقرة على حد سواء.