بدأت تركيا مؤخراً بتجميع عناصر الفصائل التابعة لها في الأجزاء التي تسيطر عليها من الشمال السوري، وتخضعهم لتدريبات، فماذا يجري هناك ولم هذه التحركات من قبل تركيا؟
منذ أن سيطرت تركيا على أجزاء من الشمال السوري اعتباراً من عام 2016 عندما سيطرت على جرابلس والباب وإعزاز، ولاحقاً عفرين عام 2018، عملت على تشكيل عشرات الفصائل المسلحة بمسميات إسلامية وأخرى عثمانية، ونصبت موالين لها من التركمان على قيادة هذه المجموعات التي يغلب يزيد تعداد العرب فيها عن 95 %.
ولكن هذه المجموعات امتهنت السلب والسرقة، وسط حالة من الفلتان الأمني وفلتان السلاح وعمليات الخطف والتشليح والاختطاف بغية الحصول على الفدى المالية والتي كانت تحدث بأوامر من قيادات الفصائل.
ومع ازدياد حدة الانتهاكات من قبل الفصائل، وضيق المواطنين ذرعاً بممارساتها، عملت تركيا على تجنيد شبان آخرين وشكلت الشرطة العسكرية والمدنية، أملاً منها في ضبط عناصر الفصائل وحالة الفلتان الأمني، ولكن مساعيها هذه لم تنجح.
فالشرطة العسكرية والمدنية لم تكن أفضل حالاً من الفصائل، فقياداتها أيضاً سعت لجمع الأموال على حساب الشعب من خلال ممارسة الابتزاز والسرقة وعمليات النهب تحت مسمى القانون.
ومع انتشار عمليات السرقة والسلب وحديث التقارير الأممية عن الجرائم التي ارتكبتها تلك الفصائل، وتحميل تلك التقارير لتركيا بالمسؤولية عن الجرائم على اعتبارها دولة احتلال في المنطقة والفصائل تتواجد في مناطقها، أرادت تركيا ضبط ولجم الفصائل ولكن بسبب خدمة هذه الفصائل لأهدافها في تهجير سكان المنطقة الأصليين وخصوصاً الكورد، لم تقدم تركيا بأي خطوة اتجاههم.
ولكن عندما اندلعت الاحتجاجات ضد تركيا والشركات التابعة لها في الشمال السوري بسبب رفع أسعار الكهرباء والمواد بعد تهاوي العملة التركية بعد أن تم فرضها كعملة للتعامل على السوريين في الشمال، وخروج عناصر الفصائل ضد تركيا ومقتل عدد منهم، رأت تركيا بأن الأوضاع باتت تخرج من سيطرتها، وخصوصاً مع ازدياد حالة الاحتقان ضمن الفصائل الذين أرسل عناصرها إلى ليبيا بسبب عدم دفع مرتباتهم الشهرية وعدم إعادتهم من هناك إلى سوريا، وحجزهم في مناطق عسكرية ومنعهم من الخروج منها.
وأمام هذا الوضع، رأت تركيا بأن العدد الكبير من الفصائل وتواجد قيادات عديدة تعمل كل قيادة من أجل مصالحها الشخصية وجمع الثروة، يجعل من السيطرة عليها أمراً شبه مستحيل، لذلك أوعزت لهيئة تحرير الشام بالتحرك نحو الشمال السوري وخصوصاً عفرين من أجل السيطرة عليها، ووضع الجميع تحت راية هيئة تحرير الشام التي لا تستطيع التحرك ضد أوامر قياداتها.
ولكن سيطرة هيئة تحرير الشام، ولدت العديد من ردود الفعل من سكان المنطقة والمستوطنين على حد سواء، وكذلك من القوى الدولية، خصوصاً أن هيئة تحرير الشام كانت تعرف سابقاً باسم جبهة النصرة وهي مصنفة على لائحة الإرهاب الدولي وكذلك مصنفة لدى تركيا بأنها إرهابية.
فتحرك دولة مع مجموعة إرهابية، يضع تركيا تحت ضغط دولي ويزيد من فرص استغلال روسيا والحكومة السورية ومن راءها إيران لهذا الوضع من أجل شن الهجمات على المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا، وكذلك يجعل منها هدفاً للتحالف الدولي.
وأمام هذا الوضع، بدأت تركيا مؤخراً بجمع عناصر الفصائل على اختلاف مسمياتها، ووضعتهم في معسكرات تدريب بهدف إعادة هيكلة الفصائل وضبط تحركاتها بما يخدم المصالح التركية فقط.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر مطلعة، أنه تم تطعيم عناصر الفصائل ببعض عناصر هيئة تحرير الشام، وذلك من أجل الترويج لفكر الهيئة ووضع العناصر تحت إمرة هؤلاء مستقبلاً وذلك لتطبيق الأجندات التركية ومعاقبة من يخرج عن الإملاءات التركية.
وأشارت المصادر أن من الصعب على تركيا فعل ما تريده، خصوصاً مع تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرتها وانتشار الفلتان الأمني وفوضى السلاح والتكتلات العشائرية والمناطقية وسعي كل طرف لتحقيق أكبر منفعة مادية من وراء انضمامه للفصائل.