تسعى روسيا والحكومة السورية وتركيا، إلى العودة لاتفاق أضنة بعد تعديله، وذلك من أجل القضاء على الإدارة الذاتية، ليستخدمها كل طرف من أجل خدمة أهدافه وأجنداته، فروسيا تريد خروج أمريكا من المنطقة، وأردوغان يريد نصراً على الكورد تنقذه في الانتخابات، في حين أن الحكومة السورية التي لا حول ولا قوة لها، تريد الاستفادة من هذا الاتفاق لبسط سيطرتها على المنطقة.
بحث الرئيسان الروسي والتركي اليوم الملف السوري، وبحسب الكرملين، فأن الطرفين تطرقا إلى قضية التسوية السورية في سياق الامتثال لبنود مذكرة التفاهم الروسية التركية في سوتشي لعام 2019. وقال الكرملين أن وزارتا الدفاع والخارجية في البلدين ستواصلان الاتصالات الوثيقة في هذا الصدد.
في حين تحدث تركيا كعادتها عن إبعاد قوات سوريا الديمقراطية “بعمق 30 كم على الأقل” عن الحدود، وهذا العمق هو الذي أشارت العديد من الأطراف أن روسيا وتركيا اتفقتا عليه من أجل تجديد اتفاقية أضنة الأمنية بين دمشق وأنقرة والتي تم توقيعها عام 1998.
وترغب روسيا في الخروج من الأزمة السورية التي باتت كمستنقع لها، وخصوصاً بعد أن بدأت عملية عسكرية في أوكرانيا منذ 24 شباط من العام الجاري. فروسيا التي تدخلت في الأزمة السورية منذ أيلول عام 2015، لا ترى نهاية للنفق المظلم للأزمة السورية التي تتفاقم فيها الأزمات يوماً بعد يوم في ظل عدم وجود حل يلوح في الأفق.
ومنذ أن بدأت روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بدأت تدعو لاتفاق كل من الحكومة السورية والنظام التركي، وفي ظل تصريحات الرئيس التركي أردوغان المعادية لبشار الأسد ووصفه له بالمجرم والقاتل، رأت روسيا بأن من الصعب جداً جمع الطرفين معاً من أجل التخلص من تبعات هذه الأزمة وتكاليفها الباهظة في وقت تعاني فيه روسيا نفسها من حصار وعقوبات أوروبية وأمريكية باتت تلقي بظلالها على الداخل الروسي وتهدد مستقبل الرئيس فلاديمير بوتين.
وأمام هذا الوضع، بدأت روسيا بالبحث عن نقطة تلتقي فيها دمشق وأنقرة، ووجدت ضالتها في اتفاقية أضنة الموقعة بين دمشق وأنقرة عام 1998 والمعادية أساساً للحقوق المشروعة للشعب الكوردي.
فهذه الاتفاقية التي وقعها حافظ الأسد في سنواته الأخيرة، من أجل تمهيد الطريق أمام بشار الأسد لتسلم الحكم دون مشاكل مع الجيران، استهدفت الحقوق المشروعة للشعب الكوردي، حيث اتفق الطرفان على معاداة الكورد ونعتهم بالإرهابيين، وتم السماح بموجب هذا الاتفاق لتركيا بدخول الأراضي السورية عسكرياً حتى مسافة 5 كم.
وهذه الاتفاقية هي حجة تركيا منذ عام 2016 في السيطرة على الأراضي السورية وتغيير ديموغرافيتها وفرض اللغة والعملة والثقافة التركية فيها، فأردوغان الواهم بإعادة أحلام امبراطورية بائدة، يريد مع انتهاء مئوية اتفاقية لوزان عام 2023 السيطرة على الأراضي التي حددها الميثاق الملي التركي والذي يضم حلب والحسكة والرقة ودير الزور السورية والموصل وكركوك وأربيل والسليمانية ودهوك الكوردية العراقية.
ولذلك خصص أردوغان كل إمكانات الدولة لتحقيق هذا الحلم وترك الشعب التركي في الداخل يعيش الجوع والفقر.
أما الحكومة السورية فهي تعيش الازمة تلو الأخرى، لذا فهي غير قادرة على الدخول في حرب مع قوات سوريا الديمقراطية وخصوصاً أن قسد منذ تأسيسها لم تهاجم أحداً باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يشن الهجمات على المنطقة، بل اكتفت بموقف الدفاع عن المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ومع التواجد الأمريكي في شمال وشرق سوريا وشراكتها مع قسد في إطار الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ترى دمشق ومن وراءها روسيا وإيران أن من المستحيل شن الهجمات على قسد، ولذلك تضغط موسكو على أنقرة من أجل شن الهجمات بالاستناد الى اتفاقية أضنة حتى تخرج القوات الأمريكية من المنطقة.
فروسيا تدرك أن الوجود الأمريكي في سوريا لا يمنحها النصر الذي تريده، وبما أنها غير قادرة على الدخول في معركة معها، فهي تريد من تركيا أن تزعج القوات الأمريكية مثلما حدث عام 2019 لتخرج من سوريا.
تظن روسيا أنها من خلال الضغط على تركيا بشن الهجمات على شمال وشرق سوريا، ستجبر قوات سوريا الديمقراطية على تسليم المنطقة على طبق من ذهب لها، ولكنها لا تدرك أن شعوب المنطقة ومن ورائهم قسد اتخذوا القرار بأن لا يسلموا المنطقة لأي كان، إذ أنهم اتخذوا موقفهم في الدفاع عن المنطقة حتى آخر رمق.
ولذلك تريد روسيا أن تتشارك دمشق وأنقرة معاً في الهجوم على شمال وشرق سوريا، للتخلص من قسد أولاً والقوات الأمريكية ثانياً ومن ثم تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق والاستفادة من ذلك لإخراج دمشق من الازمات التي تمر بها، ولكنها هنا أيضاً لا تدرك بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فتركيا نفسها تعاني من أزمات اقتصادية وتدهور في قيمة عملتها، علاوة على ذلك فأن أي هجوم تركي على المنطقة دون الموافقة الامريكية سيجعلها عرضة لعقوبات قاسية قد تودي بأردوغان إلى الهاوية.
وتتذرع تركيا في تهديداتها على المنطقة بأن قوات سوريا الديمقراطية لم تنسحب لمسافة 30 كم، هذه الذرائع التي وصفها القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية بالحجج الواهية، لافتاً أن قواتهم التزمت منذ عام 2019 بالاتفاق وانسحبت وفق الاتفاق.
وسيرت تركيا وروسيا خلال الفترات الماضية مئات الدوريات المشتركة في المنطقة، دون أن تلمح عسكرياً واحداً من قسد في المنطقة.
فالمنطقة الآن يتم إدارتها من قبل سكانها عبر الإدارة الذاتية بمؤسساتها المدنية، في حين تتولى قوى الامن الداخلي مهمة ضبط الأمن داخل المدن، ولا تواجد لقوات سوريا الديمقراطية في هذه المنطقة.