أحمد خليل
تواصل تركيا منذ منتصف ليل الـ 19 من تشرين الثاني الجاري، شن هجمات جويّة وقصف مدفعي وصاروخي ضدَّ مناطق شمال وشرق سوريا، مُستهدفةً بالدرجة الأولى البنى التحتية التي تؤمن ظروف العيش لخمسة ملايين سوري من آبار النفط ومعمل الغاز الوحيد، وصوامع للحبوب ومحطة الكهرباء والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية الأمر الذي زاد من معاناة السوريين.
حسب معاهدات اتفاقيات جنيف وسلسلة من القوانين والاتفاقيات الدولية الأخرى، يُصنف استهداف المنشآت على أنها جـرائم حـرب وهي مخالِفة للقانون الدولي الإنساني ومدانة دوليًا.
وفي تناقضٍ للأقوال مع الأفعال، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الاثنين الدول الإسلامية لدعم جهود الحل السياسي في سوريا “لتتخلص من دوامة الصراع والإرهاب”، خلال كلمة ألقاها أثناء مشاركته في افتتاح الاجتماع 38 اللجنة الوزارية الاقتصادية التجارية في منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في إسطنبول.
تسببت الهجمات الجوية التركية عن سقوط ضحايا مدنيين بينهم نساء ووقوع إصابات بين الأطفال، كما سقط خلال هذه الهجمات عسكريين من قوات سوريا الديمقراطية، جرى استهداف البعض منهم أثناء حمايتهم مخيم الهول الذي يضم الآلاف من نساء وأطفال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ما تسبب بحالة من الفوضى لتتمكن على إثرها 25 إمرأة من زوجات قياديين في تنظيم الدولة وتمكنهم من الوصول إلى مدينة جرابلس الخاضعة لنفوذ القوات التركية، فيما تمكنت قسد القبض على آخرين.
في حين ارتفع عدد ضحايا قوات الحكومة السورية إلى 28 عسكريًا نتيجة استهدفهم من قبل الطائرات الحربية والمسيرة وقذائف المدفعية وفق حصيلة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الاثنين.
ويتساءل خبراء في مكافحة الإرهاب عن ماهية دعم جهود الحل السياسي في سوريا الذي يدعو إليه أردوغان وهو الذي يدعم ويموّل تنظيم هيئة تحرير الشام المصنّفة على لوائح الإرهاب والتي سهّلت تمددها إلى منطقة عفرين وتل أبيض ورأس العين مؤخرًا، إلى جانب الدعم البارز لتنظيم الدولة الإسلامية في المناطق السورية الخاضعة لنفوذها وهو ما برز جليًا من خلال استهداف التحالف الدولي لأبرز قيادات التنظيم في هذه المناطق على مدار السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن خروج وثائق تدين الدعم والتعاون التركي الوثيق مع التنظيم منذ عام 2013.
أصبحت الصورة في الشمال السوري منطقة تركية من جذورها، حيث تتحكم أنقرة بكامل تفاصيلها تمهيدًا لسلخها عن سوريا، فالمدارس تُدرس اللغة التركية ويُعالج المرضى في مستشفيات تركية بنيت في تلك المناطق، كما أن الكهرباء تأتي عبر تركيا، والليرة التركية هي العملة المتداولة، فضلاً عن تغيير أسماء القرى والمناطق إلى التركية، إضافة بناء قواعد عسكرية عملاقة على الحدود وحائط حدودي بطول 873 كيلومتر.
وذهب مراقبون ومختصون في الشأن التركي – السوري أن “الحل السياسي” الذي يدعو إليه أردوغان يتمثّل في إنهاء الصراع الدائر في سوريا وسحب يده من دعم التنظيمات الإرهابية، وليس في إنشاء منطقة يسميها بـ «المنطقة الآمنة» على كامل الشريط الحدودي في شمال سوريا، وتوطين عوائل جبهة النصرة وداعش وتنظيمات إرهابية أخرى من عوائل التركستاني والإيغور الصينين، ما يعني أن هذه المنطقة ستصبح منطقة تهدد المجتمع الدولي بأكمله وهي ليست في صالح السوريين واللاجئين المتواجدين على الأراضي التركية، إذ أن جهود الحل السياسي في سوريا لا يمكن حلها وفق هذه الطروحات والتصورات، وإنما تحل بعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية وفق حل سياسي شامل وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
المادة المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.