أحمد خليل
يستعد مئات الآلاف من أهالي مدن ونواحي وبلدات منطقة الجزيرة، للتوجه يوم غد الأحد إلى مدينة القامشلي، للمشاركة في الفعالية الجماهيرية التي دعت إليها “المبادرة الشعبية في إقليم الجزيرة” وذلك للتنديد بالهجمات الكيماوية التي تشنها الدولة التركية على أراضي إقليم كوردستان، ضد قوات حزب العمال الكردستاني “قوات الدفاع الشعبي”.
ولكن، ماذا جرى حتى بدأ التحضير لتنظيم هذه الفعالية الكبيرة التي يقول منظموها أن مئات الآلاف من الشدادي على الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور وحتى مدينة المالكية/ديريك أقصى شمال وشرق سوريا، سيشاركون فيها؟
في منتصف شهر تشرين الأول الماضي، أي قبل نحو شهر من الآن، قالت قوات الدفاع الشعبي الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني أن الجيش التركي، قصف مناطق انتشار قواتهم في إقليم كوردستان العراق في الفترة ما بين 14 نيسان و14 تشرين الأول من العام الجاري، بالقنابل المحظورة والأسلحة الكيماوية أكثر من 2467 مرة.
وسبق أن قالت قوات الدفاع الشعبي، أن الجيش التركي، استخدم الأسلحة الكيماوية ضدهم أكثر 367 مرة في عام 2021، وأشارت أن هذه الهجمات حصدت أرواح 46 عنصراً من عناصرها.
ما هي الأسلحة الكيماوية؟
الأسلحة الكيميائية هي أي نوع من الذخائر التي تحمل سموما أو مواد كيميائية تهاجم أجهزة الجسم.
وهناك فئات مختلفة من الأسلحة الكيميائية. تهاجم عوامل الاختناق مثل الفوسجين، الرئتين والجهاز التنفسي، مما يتسبب في اختناق الضحية في إفرازات رئتيها. وهناك فئة عوامل المنفطات (وهي مواد كيميائية تتسبب بحروق وبثور عند ملامستها للجلد)، مثل غاز الخردل، الذي يحرق الجلد ويصيب بالعمى.
ثم هناك أكثر الفئات فتكاً وهي: عوامل الأعصاب، التي يتداخل تأثيرها مع رسائل الدماغ إلى عضلات الجسم. وقطرة صغيرة من أي من هذه العوامل يمكن أن تكون قاتلة. على سبيل المثال، أقل من 0.5 ملغ من عامل الأعصاب “في إكس” VX، يكفي لقتل شخص بالغ.
ويمكن استخدام كل هذه الأسلحة الكيميائية في الحرب في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ.
ولكنها جميعاً محظورة تماماً بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1997، التي وقعتها الغالبية العظمى من الدول.
وثمة هيئة عالمية للرقابة على الأسلحة الكيميائية ومقرها في لاهاي بهولندا، وتسمى “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” التي تراقب الاستخدام غير القانوني لهذه الأسلحة وتحاول منع انتشارها.
وقد استخدمت هذه الأسلحة خلال الحروب في الماضي، وما تزال تستخدم اليوم في الحروب وذلك بقصد القضاء على الطرف المقابل جسدياً وتدمير البيئة والطبيعة والمياه، لإدامة آثار الضرر أطول فترة ممكنة.
عملية “مخلب – القفل” والأسلحة الكيماوية
وبدأت تركيا في 17 نيسان من العام الجاري، عملية عسكرية ضد قوات حزب العمال الكردستاني المتواجدين في إقليم كوردستان العراق، باسم “مخلب – القفل” بعد قصفي جوي وبري بالطائرات والمدفعية والدبابات، على مدار عدة أيام متواصلة.
ومؤخراً قالت قوات حزب العمال الكردستاني، أن استخدام الجيش التركي لهذه الأسلحة ضد قواتهم حصدت أرواح 17 من مقاتليهم، بينهم 5 من أبناء كوردستان سوريا (3 من كوباني واثنان من القامشلي)، وهذا ما أدى لخلق ردود فعل منددة باستخدام الكيماوي.
وتنفي تركيا هذه الاتهامات الموجهة لها، وقال وزير الدفاع التركي قبل أيام أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة وغايتها تشويه صورة القوات التركية.
ومع استمرار الحديث عن الكيماوي، نشرت قوات حزب العمال الكردستاني، مقاطع مصورة تظهر كيف أن الجيش التركي يستخدم أسلحة يخرج منها دخان بألوان مختلفة، كما نشرت مقاطع فيديو لبعض مقاتليها بعد تعرضهم للأسلحة الكيماوية.
مقاطع الفيديو هذه، دفعت العديد من خبراء الأسلحة الكيماوية والساسة والحقوقيين للمطالبة بفتح تحقيق في استخدام الجيش التركي للأسلحة الكيماوية.
ومن بين الذين طالبوا بفتح التحقيقات، رئيسة الجمعية الطبية، شبنم غرور فنجانجي، التي قالت بأن مقاطع الفيديو المنشورة تتطلب إجراء تحقيق في استخدام الجيش التركي للأسلحة الكيماوية، هذه التصريحات التي أغضبت النظام التركي ما دفعه لاعتقالها، بحجة “الدعاية لمنظمة إرهابية”.
كما طالب الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، المعتقل منذ عام 2016 بإجراء تحقيق في استخدام الكيماوي، وهذا ما دفع وزارة الدفاع التركية لرفع دعوى قضائية ضده وبالحجة ذاتها التي أدينت بها رئيسة الجمعية الطبية التركية شبنم غرور فنجانجي.
لم يتوقف الأمر على هذا، إذ طالب البرلماني التركي عن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، سزكين تانر أوغلو، بفتح تحقيق في الأمر وقال: “لقد شاهدت مشاهد لاستخدام الأسلحة الكيماوية، أن استخدام الأسلحة الكيماوية هي جرائم ضد الإنسانية، غداً سأقوم بإعداد مسودة السؤال حول هذه الإدعاءات” وهذا ما دفع السلطات التركية لفتح تحقيق ضده أيضاً.
موضوع الكيماوي ينتقل إلى البرلمانات الأوروبية
ومع استمرار الحديث عن استخدام تركيا للأسلحة الكيماوية، بدأت الجالية الكوردية في أوروبا، تنظيم التظاهرات أمام البرلمانات والمؤسسات الدولية ومن بينها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وفي المدن والعواصم الأوروبية بغرض لفت الانتباه إلى استخدام تركيا للكيماوي.
هذه الفعاليات جعلت موضوع الكيماوي ينتقل إلى أروقة عدد من البرلمانات. إذ طرح البرلمانيان الانكليزيان كيم جونسون وليود راسيل ـ مويلي، على وكيل الوزارة البرلماني للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية، ليو دوكيرتي، سؤالاً هل تستخدم تركيا الأسلحة الكيماوية في هجماتها أم لا، وهل سيطالبون منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بإجراء تحقيق حول ذلك أم لا.
ورد ليو دوكيرتي على السؤال المطروح عليه، وأشار إن الحكومة البريطانية تدرك أن الحكومة التركية تستخدم “الفسفور الأبيض” في إقليم كوردستان العراق، وقال: “لكن لا يوجد لدينا دلائل مباشرة لتأكيد ذلك، كما أننا نأخذ هذه المزاعم بعين الاعتبار، ونوافقكم الرأي بأنه يجب الالتزام بمعاهدة الأسلحة الكيماوية”.
كما انتقل الحديث عن الكيماوي إلى البرلمان الألماني، إذ دعا عضو البرلمان عن الحزب اليساري، في ألمانيا علي الدايلمي، إدراج تقرير رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية التي زارت إقليم كوردستان وحققت في استخدام الجيش التركي للكيماوي، ضمن جدول أعمال الجمعية الفيدرالية الألمانية.
تركيا استخدمت الفوسفور الأبيض وأسلحة كيماوية على الأراضي السورية
وإلى جانب الحكومة السورية التي استخدمته عدة مرات، استخدمت تركيا والفصائل التابعة لها الأسلحة الكيماوية على الأراضي السورية في هجومها على قوات سوريا الديمقراطية والكورد في سوريا، وأول هجوم بقذائف كيماوية كان مطلع عام 2015 عندما استخدمته الفصائل ضد وحدات حماية الشعب في حي الشيخ مقصود في مدينة حلب.
وأثناء هجماتها على عفرين مطلع عام 2018،’ استخدمت تركيا السلاح الكيماوي أيضاً ضد قوات سوريا الديمقراطية، وأثناء هجماتها على رأس العين في تشرين الأول عام 2019 استخدمت تركيا السلاح الكيماوي والفوسفور الأبيض ضد المدنيين، والجميع يتذكر صورة الطفل محمد الذي احترق نتيجة تعرضه للفوسفور الأبيض.
منظمة حظر الأسلحة الكيماوية صامتة!
ولكن بالمقابل من هذه الردود والتظاهرات المستمرة أمام مبناها في لاهاي الهولندية، ما تزال منظمة حظر الأسلحة الكيماوية صامتة، ولم تصدر أي تصريح حول الموضوع ولم ترسل أية لجان إلى المنطقة للتحقيق في هذه الاتهامات.