عاودت الحكومة السورية منذ أن أطلقت أنقرة تصريحات التطبيع معها واللقاءات الاستخباراتية بين الطرفين، إلى تضييق الخناق على مهجّري عفرين القاطنين في المخيمات والمنازل شبه المدمرة في قرى ونواحي منطقة الشهباء بريف حلب، وكذلك في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، فضلاً عن حصار المجموعات التابعة للحكومة السورية ستة قرى في ناحية شيراوا.
وتفرض الحكومة السورية منذ قرابة 5 أعوام، حصاراً على منطقة الشهباء بعد أن لجأ إليها مهجرو عفرين منذ سيطرة تركيا على مدينتهم، وتمنع إدخال المحروقات والمواد الطبية والغذائية إلى المنطقة، كما تمنع المرضى بين الحين والآخر من الخروج منها باتجاه مدينة حلب من أجل تلقي العلاج.
وتتعمد الحكومة تشديد الحصار قبيل الدخول إلى فصل الشتاء ومع اشتداد الحاجة إلى المحروقات في فصل الصيف، وذلك لكي تحرم الأهالي من الحصول على المحروقات التي تعتبر الأساس في الزراعة والتدفئة وتسيير عصب الحياة لتحرم الأهالي من الحصول المحروقات بشكل خاص.
وبالتوازي مع منع دخول المواد الأساسية إلى الشهباء، لا تزال المجموعات المسلحة من بلدتي نبل والزهراء والتابعة للحكومة السورية، تفرض الحصار على 6 قرى في ناحية شيراوا بعفرين كما تمنع أهالي الشهباء ومهجري عفرين من الذهاب إلى مدينة حلب لتأمين حاجاتهم ومستلزماتهم اليومية.
هذا الحصار، أدى إلى تقنين عدد ساعات الكهرباء، إلى النصف كما أدى إلى نقص مياه الشرب بسبب عدم توفر المحروقات اللازمة لتشغيل الآبار، ما يجبر الأهالي على شراء المياه في ظل ما يعانونه من أوضاع اقتصادية سيئة.
كما أدى الحصار إلى فقدان المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل كبير، حيث وصل سعر ليتر المازوت إلى 8 آلاف ليرة في حين وصل ليتر البنزين إلى 10 آلاف ليرة في حال توفره. وهذا الارتفاع في أسعار المحروقات يؤثر على بقية السلع الغذائية خصوصاً الزراعية منها.
وإلى جانب ذلك، ارتفعت أسعار الأدوية وانقطعت بعضها من الصيدليات ما يؤثر على حياة المواطنين.
وفي حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، فالوضع ليس بأحسن حال، إذ تواصل الفرقة الرابعة الحصار على الحيين وتمنع دخول المحروقات والطحين والأدوية إليها، حتى أنها تمنع دخول المساعدات الإغاثية إلى الحيين.
والملفت للانتباه أن هذا الحصار يأتي بالتزامن مع استمرار القوات التركية والفصائل الموالية لها شن الهجمات على منطقة الشهباء، وكذلك بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول التطبيع مع دمشق.
ويرى المتابعون أن هذا الحصار يأتي بالتنسيق بين أنقرة ودمشق وفي إطار الاتفاقات التي حصلت بين رئيس مكتب الأمن الوطني لدى الحكومة السورية علي مملوك ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان بعد اجتماعها الأخير في العاصمة دمشق.
وسبق لمملوك وفيدان أن ألتقيا في موسكو وكذلك في بغداد، حيث تشير أوساط سياسية أن الطرفين اتفقا على وضع خلافاتهما جانباً وتطبيع العلاقات مقابل تحقيق كل طرف لمطالب الطرف الآخر.
إذ تريد دمشق من أنقرة أن ترفع الغطاء عن المعارضة السورية التي تدعمها ممثلة بالائتلاف السورية والجيش الوطني السوري، وفي هذا السياق خطت تركيا العديد من الخطوات منها إخبار الائتلاف بضرورة مغادرة تركيا والعمل من بلد آخر، ونقل هيئة تحرير الشام إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني لإجبارهم للانضمام إلى تحرير الشام وبالتالي التحول إلى هدف مشروع للحكومة السورية وروسيا أو قبول التطبيع مع دمشق عبر عمليات المصالحة أو التسوية وهذا يعني الاستسلام والعودة إلى “حضن الوطن”.
في حين تطلب أنقرة من دمشق أن تتعاون معها في القضاء على قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، لأنها خائفة من أن ينال الشعب الكوردي في سوريا حقوقه، وهذا ما يعزز آمال الكورد في كوردستان تركيا.
هذا التطبيع والاتفاق بين الطرفين يأتي برعاية روسية التي تعاني من خسائر اقتصادية وعسكرية كبيرة على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وبالتالي هي تريد أن تنتهي من الوضع السوري بأقل تكلفة ممكنة للالتفات إلى حربها مع حلف الناتو التي تعتبر تركيا جزءا منه.