منذ أيار المنصرم، لم تنقطع التصريحات والمساعي التركية من أجل التطبيع مع الحكومة السورية، ولكن المعروف عن أنقرة أنها لا تفعل شيئاً لا يخدم مصالحها في المنطقة وخصوصاً هدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الوصول إلى حدود ما يسميه الميثاق الملي مع انتهاء مئوية اتفاقية لوزان في العام المقبل. فحتى الآن تعتبر تركيا كلاً من حلب وأجزاء من الشمال السوري وكذلك الموصل وكركوك وأجزاء من إقليم كوردستان العراق، كولايات تركية يتوجب إعادة السيطرة عليها، ولذلك فهي تركز على هذه المناطق في جميع تحركاتها.
والسعي التركي للتطبيع مع دمشق، يأتي في هذا الإطار، فهي لا تريد لهذه المناطق أن تحصل على حقوقها، بل تريد السيطرة عليها وضمها إلى أراضيها، وبما أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك لوحدها، فهي تستخدم الفصائل السورية المسلحة لتحقيق هذه الأجندة.
الرئيس التركي أردوغان ومسؤولو حكومته اعترفوا بأن العلاقات الأمنية مع دمشق لم تنقطع رغم أن أردوغان كان يقول في كل مرة أن الحكومة في دمشق مجرمة وقاتلة ولا مكان لها في سوريا. وبما أن المخطط التركي في السيطرة على سوريا عبر أذرعها المسلحة التي شكلتها في البلاد وذلك عقب التدخل الروسي، فهي انتقلت إلى الخطة الثانية في السيطرة على الأراضي السورية التي تراها جزءاً من حدود ميثاقها الملي. ولكن مع منع موسكو وواشنطن لأنقرة بالسيطرة على هذه الأراضي بطريقة مباشرة، لجأ الرئيس التركي إلى خطة أخرى وهي التطبيع مع دمشق والاتفاق معها على شن هجوم مشترك أو القيام بعمل مشترك مع دمشق للقضاء على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي تقف كحجر عثرة أمام تطبيق هذا المخطط.
هذا التطبيع بين أنقرة ودمشق، فهو في جزء منه يستهدف مناطق شمال وشرق سوريا، وهو الذي يخدم الهدف التركي، ولكن حصول تركيا على ما تريد من دمشق لا بد له أن يُقابل بتنازلات من أنقرة. وهذا التنازل هو على حساب الائتلاف السوري وفصائل الجيش الوطني. فالمعروف لدى السوريين أن تركيا هي من سلمت حلب والغوطة الشرقية وأجزاء من إدلب وحماة وحمص وحلب لقوات الحكومة السورية في إطار صفقات رعتها روسيا التي تسعى الآن لتكون الراعي لصفقة جديدة يهدف لضرب عصفورين بحجر واحد في الشمال السوري بشرقه وغربه، ولكن الائتلاف السوري والجيش الوطني الذين يدركون هذه الحقيقة لا يستطيعون الحراك أبداً لأنهم باتوا مسلوبي الإرادة بعد أن سلموها لتركيا ولم يعد بمقدورهم التحرك لوحدهم أبداً.
من يعتقد من المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح، أن أنقرة ستضمن لهم مقعداً في السلطة بسوريا مستقبلاً هم واهمون، فأقصى ما ستقدمه لهم دمشق هو أن تقبل بأن يوقعوا على صك الاستسلام تحت اسم “المصالحة أو التسوية” وهو ما يتم تسميته في المسلسلات التي تنشر في الإعلام الحكومي السوري بـ “العودة إلى حضن الوطن”.
تجارب التسويات في الجنوب السوري، أثبتت أن لا جدوى منها لأن النظام الأمني الموجود لدى دمشق، لن يسمح ببقاء هؤلاء بمجرد أن تستقر الأوضاع في البلاد.
كيفما تحرك أعضاء الائتلاف والجماعات المسلحة التابعة لهم، فأنهم يدركون أن التطبيع بين أنقرة ودمشق يضرهم ولا ينفعهم، ويدركون أن مصيرهم سيكون كمصير جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي أجبرتهم أنقرة على مغادرة البلاد بمجرد بدء التطبيع مع مصر، ولا يمكن استبعاد أن تسلمهم أنقرة لدمشق في إطار الصفقة التي يتم عقدها بين الطرفين والتي لن تخدم الشعب السوري أبداً وستذهب كل الدماء التي سالت طيلة 11 عاماً من أجل الحرية، هباءاً منثوراً ويتحمل الائتلاف هذا الإثم إلى يوم الدين.