قال وزير العدل بكير بوزداغ، الذي أدار المفتاح في قفل كبير الحجم مثبت على أبواب سجن ديار بكر في جنوب شرق تركيا يوم الأحد، إنه ينهي واحدة من أحلك الفترات في تاريخ البلاد ليصبح متحفًا، لكن بعض النشطاء يرون تبييضًا على جدرانه الملطخة بالدماء.
وبحسب وكالة أنباء ميزوبوتاميا، نُقل آخر 270 سجينًا متبقين قبل أسبوعين فقط، ويخشى بعض السجناء السابقين ونشطاء حقوق الإنسان من أن المتحف قد يتستر على الفظائع التي ارتُكبت داخل جدرانه في أعوام الثمانينيات والتسعينيات.
وعرف السجن بسجن ديار بكر العسكري رقم 5 في سنوات الحكم العسكري بعد انقلاب 1980. في الأشهر التي أعقبت الانقلاب، سرعان ما امتلأ السجن الواقع في العاصمة الفعلية للمنطقة ذات الأغلبية الكوردية في تركيا باليساريين الكورد.
خلال أوائل ومنتصف الثمانينيات، تعرض السجناء للتعذيب المنهجي بما في ذلك الضرب والصـ.ـعق بالصـ.ـدمات الكهربائية والاغتـ*ـصاب. وبحسب ما ورد قام حاكم السجن خلال هذه الفترة، إيسات أوكتاي يلدران، بتدريب كلبه على عـ*ـض الأعـ.ـضاء التـ..ـناسلية للسجناء وأجبرهم على تحية الحيوان.
تـ.ـوفي ما لا يقل عن 57 سجينًا تحت التعذيب على مدار عامين في أوائل الثمانينيات، وفقًا لشبكة المعلومات الكوردية الأمريكية. ويعتقد أن العشرات غيرهم فقدوا حياتهم في ظروف مماثلة.
لعب السجن دوراً حاسماً في الحركة الكوردية. وسُجن العديد من السياسيين االكورد في ديار بكر، مثل أحمد ترك، النائب السابق ورئيس البلدية، وجلطان كيساناك، التي شغلت منصب المشرع ورئيس البلدية قبل أن تُسجن مرة أخرى في عام 2016. لقد كانوا من بين أولئك الذين طالبوا بتحويل السجن إلى “متحف للـعـ.ـار” يروي قصة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت وراء بواباته الفولاذية.
وقال جلال الدين جان، الذي قضى قرابة 20 عامًا في السجن السياسي: “إنهم يريدون أن ينسى العالم بأسره هذا السجن. يجب أن يخبروا الناس بما حدث”.
شدد السجين السابق والمتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان المسماة مبادرة 78، على دور السجن في الذاكرة الجماعية للكورد، وقال “لا يمكن تحويل سجن ديار بكر إلى مركز ثقافي، لنقول “دعونا ننسى” بسبب المظالم المتعددة التي عانى منها الكورد. لسجن ديار بكر أهمية خاصة وحاسمة في مواجهة حقائقنا”.
وفي زيارة لديار بكر يوم الأحد، أبلغ الرئيس التركي أردوغان حشدًا من المؤيدين أن مبنى السجن سيكون مكانًا لمكتبة ومركز ثقافي وفني ومتحف.
ودعا إلى تحويل السجن إلى متحف لحقوق الإنسان، وأضاف: “من أجل العدالة والسلام الاجتماعي، من الضروري إبراز الديمقراطية لمن يدمر القوى الديمقراطية في هذا البلد، أولئك الذين يخلقون ويوجدون في هذا الظلام، أولئك الذين يكسرون الناس ويحطمون كرامتهم، أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية”.
تساءلت ميرال دانيس بيستاس من حزب الشعب الديمقراطي عن كيفية رواية قصة السجن وأشارت إلى مزاعم الانتهاكات المستمرة في نظام السجون.
واضافت “هذه الفظائع لا تزال مستمرة. بينما لا يزال التعذيب مستمرا وخروج الجـ.ـثث من السجون، ماذا سيعرض في هذا المتحف؟”
وتابعت “هل سيتم عرض صورة إيسات أوكتاي أو أفعال كلبه …؟ ما الذي سيتم عرضه؟ هل ستواجه الحقيقة؟ هل ستكشف الحقيقة؟”
ومن جانبه قال سركيس قصارجيان كاتب وصحفي في الشأن التركي “بالأمس زار اردوغان ديار بكر لعلمه بأن حسم المعركة الانتخابية من المرحلة الأولى مهمة مستحيلة دون التأييد التام للولايات الكوردية في البلاد، حيث تشكل دياربكر (آمد) عاصمتها. وكما جرت العادة قبل كل استحقاق دستوري، كان أردوغان حريصا على كل ما يمكن جذب الكورد شكلا ومضمونا. فمن لون بدلته الرسمية الخضراء، إلى خطابه الودي ووعوده، كان أردوغان “صديقا ومحبا للكورد””.
وأشار قصارجيان الى بعض الملاحظات حول الزيارة بالقول ” أعلن أردوغان من على منبره الخطابي تحويل سجن دياربكر التاريخي سيء السمعة إلى معلم ثقافي. انتظر التصفيق بعد انهائه لجملته الحماسية، لكنه لم يأت، فاضطر إلى القول يبدو أن الخبر لم يفرحكم. لا شك أن خبر اغلاق السجن الذي يعرف كمسلخ للكورد عبر التاريخ كان ليحدث عاصفة من التصفيق والتهليل، لو أن القرار لم يأت بخلفية سياسية ومن شخص غير موثوق أولا، ولو أن المجتمعين لسماع خطاب الرئيس التركي هم فعلا من أبناء المدينة ممن ضاقوا الويلات من هذا السجن، لكن منظر الباصات التي اغلقت ساحات ومواقف دياربكر لجلب المصفقين من ولايات أخرى يشرح السبب وراء عدم اكتراث المستمعين للخطاب لهذا الحدث الجلل”.
وأضاف قصارجيان الملاحظة الأخرى بالقول ” وزع أردوغان شهادات “الكوردية” في دياربكر ليخلص إلى نتيجة تقول بأن الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي والقابع في السجن منذ أكثر من ٥ سنوات صلاح الدين دميرتاش ليس كورديا، ولا يحمل اجازة في الحقوق أصلا، لو كنت من مستشاري أردوغان لكنت نصحته بأن يحمل على أي شخصية كوردية أخرى عدا دميرتاش. دميرتاش أخاله السياسي الكوردي الأول الذي بات مؤثرا ليس فقط على معظم الكورد في تركيا وخارجها، بل على معظم اليساريين والأقليات والأتراك الجانحين للسلام”.
وأشار قصارجيان أن “الخبر السيء لأردوغان والمعارضة التركية، هو أن الكورد في تركيا بات لديهم مرجعية سياسية تعيق الوضع السابق القائم على “الناخب الدرويش الي كلمة بتاخدو وكلمة بتجيبو”. المعادلة الانتخابية القادمة لا يمكن أن تكتمل دون الشعوب الديمقراطي، وهو ما بشمل مكسبا كبيرا للسلام في تركيا، سلام يتجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة”.