توصلت هيئة تحرير الشام بقيادة “الجولاني” والفيلق الثالث بقيادة “أبو ياسين”، لاتفاق برعاية تركية، لوقت إطلاق نار شامل وإنهاء الخلاف الحاصل بين الطرفين، وإطلاق سراح جميع الموقوفين فيما جرى مؤخراً، واستعادة الفيلق الثالث لمقاره والعودة لنقاط رباطه، وعدم التعرض لمقار وسلاح الفيلق الثالث، وفك الاستنفار العسكري الحاصل لدى هيئة تحرير الشام، وعدم ملاحقة أي أحد، بناء على خلافات فصائلية أو سياسية، واتفق الفريقان على استمرار التشاور وإصلاح المؤسسات المدنية.
ولكن بالنظر إلى مجريات الأحداث خلال الأيام الماضية، من تحرك هيئة تحرير الشام باتجاه عفرين وريف حلب وسيطرتها على مدينة عفرين وعدة نواحي وعشرات القرى في المنطقة بعد انسحاب الفيلق الثالث منها دون إطلاق رصاصة واحدة، وكل ذلك مع صمت تركي، يؤكد وجود طبخة تركية، فهيئة تحرير الشام لا تستطيع التحرك دون أي موافقة تركية.
وسبق أن تناولت تقارير إعلامية مطلع العام الجاري، مع بدء الحديث التركي عن إعادة مليون لاجئ سوري يقيمون في تركيا، إلى الشمال السوري، عن عقد اجتماع بين هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني برعاية تركية، في إدلب، وذلك بهدف إجراء إعادة توزيع للقوى عبر السماح لهيئة تحرير الشام بدخول عفرين وريف حلب، ويبدو أن ما يجري الآن هي نتيجة مباشرة لتلك الاجتماعات التي عقدت وكانت تركيا بانتظار الوقت المناسب لتطبيقها.
فعلى الرغم من أن روسيا طلبت مراراً وتكراراً من تركيا حل مشكلة هيئة تحرير الشام، إلا أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد ضيقت الخناق أكثر على فلاديمير بوتين الذي يرى في أردوغان المنقذ له من الأزمة الأوكرانية عبر وسطاته بين الطرفين، وبذلك استغلت تركيا نقطة الضعف الروسية هذه لتوسيع نفوذ هيئة تحرير الشام والسعي لدمجها مع الفصائل التي تعتبرها أنقرة معتدلة.
وما تحرك هيئة تحرير الشام رفقة الحمزات والعمشات ومجموعات أخرى من الجيش الوطني، إلا تأكيداً على ذلك.
وتتيح سيطرة تحرير الشام والفصائل التي تدعمها على مساحات أكبر من ريف حلب، من حصول هيئة تحرير الشام على مواد مالية أكثر من المعابر مع الحكومة السورية على طول المناطق التي سيطرت عليها، وبالتالي يمكن اعتبارها خطوة استباقية من الجانب التركي لتأمين مصادر دخل بديلة لهيئة تحرير الشام في حال لو قررت روسيا استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن على إدخال المساعدات عبر الحدود التي تدخل إلى إدلب الخاضعة لسيطرة تحرير الشام.
وبالتالي تستطيع تحرير الشام عبر الأموال التي تجنيها من المعابر على دفع أجور عناصرها، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تعيشه تركيا، خصوصاً أن الانتخابات الرئاسية في تركيا باتت قريبة والاقتصاد التركي لا يتحمل صرف أموال إضافية على هذه الفصائل وتحرير الشام على حد سواء.
وما يؤكد أن كل ما جرى هو مخطط تركي، هو عدم تدخل الجيش التركي في الاشتباكات التي كانت عبارة ن مسرحية معدة سلفاً، في البداية وانسحاب الجيش التركي إلى ثكناته، ثم الخروج بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام على كل هذه المناطق، ومن ثم خروج القوات الخاصة التركية مع عناصر هيئة تحرير الشام في حواجز مشتركة بعفرين.
المخطط التركي، واضح، هو استخدام هيئة تحرير الشام ضد قوات الحكومة السورية والروسية في ريف حلب، وكذلك استخدامهم في معارك ضد قوات سوريا الديمقراطية، إذ أن تسليم هذه المناطق لهيئة تحرير الشام، يعني أن اشتعال جبهة واحدة وفي أي منطقة كانت من ريف حلب وحتى إدلب، يعني أن هيئة تحرير الشام ستشعل جميع الجبهات معاً، وهذا يشكل ضغطاً على الحكومة السورية والروسية من أجل قبول شروط أنقرة أثناء التطبيع مع الحكومة السورية.
إن ما جرى أكد على أن الجيش الوطني، بات ورقة محروقة لدى تركيا التي تسعى لتطبيع العلاقات مع دمشق، كما وضعت الائتلاف السوري في وضع حرج، إذ لا يستطيع الائتلاف الخروج عن بيت الطاعة التركية، وفي نفس الوقت يرى أن ما كان يفتخر به وعلى مدار سنوات قد تحول لصالح هيئة تحرير الشام المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي، وهذا بكل تأكيد سيكون له تأثير على مستقبل وجود الائتلاف ومؤسساته.
إن هيئة تحرير الشام لن تتخلى عن المناطق التي سيطرت عليها، لأنها تريد تشكيل إمارة إسلامية في سوريا، وتركيا التي يشارك رئيسها الحلم ذاته، بكل تأكيد لن تخرج ضد هذه الخطوة بل أنها من صلب أهدافها وهي من وضعت المخطط وأجبرت بعض فصائل الجيش الوطني للوقوف إلى جانب هيئة تحرير الشام وأجبرت البقية على الانسحاب دون إطلاق رصاصة واحدة وتسليم كل هذه المناطق دفعة واحدة لهيئة تحرير الشام.