أصدرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، مؤخراً تقريراً كشفت فيه حقيقة المنظمات التي تدّعي الإنسانية والعمل الإغاثي ولكنها في حقيقة الأمر تعمل على تدمير طبيعة عفرين لبناء مستوطنات توطن فيها أشخاصاً غرباء في منطقة تم تهجير سكانها منها بهدف تطبيق المخطط التركي في تغيير ديموغرافية عفرين الكوردية.
وبحسب المنظمة، فأن ما تسمى منظمة إحسان للإغاثة والتنمية التابعة للمنتدى السوري، بدأت عام 2019 بقطع الأشجار الحراجية في جبل شاوتي بمنطقة كفرصفرة في ناحية جنديرس بعفرين، بعد أن سيطرت عليها تركيا والفصائل الموالية لها، وذلك بهدف بناء مستوطنة فيها بالاتفاق مع ما يسمى “لواء سمرقند” الموالي لتركيا.
وبموجب الاتفاق، اتفقت هذه المنظمة مع لواء سمرقند (نسبة إلى مدينة أوزبكية) والذي تشكل عام 2016 واتهمه تقرير لمنظمة الأمم المتحدة بتجنيد الأطفال في سوريا وإرسالهم إلى الخارج للقتال من أجل المصالح التركية. ويقضي الاتفاق السماح للمنظمة ببناء المستوطنة مقابل منح منازل لمسلحي هذا الفصيل.
وإلى جانب منظمة “إحسان” التي تشكّل إحدى برامج “المنتدى السوري“، ساهمت منظمة “شام الخير الإنسانية” وبإشراف من “منظمة الرحمة العالمية/الكويتية”، بعملية تخديم جزء آخر من جوانب المشروع وترغيب النازحين من مناطق سوريّة أخرى بالاستيطان في تلك القرية. وهما المنظمتان اللتان لعبتا دوراً أساسياً في بناء مشروع “جبل الأحلام” الذي خصص بمعظمه لإسكان مقاتلين وعائلاتهم فيها؛ في مثال صارخ لإحدى عمليات التغيير الديموغرافية القسرية في زمن النزاع السوريّ.
وبُنيت جميع المستوطنات، بحسب مصادر موثوقة لسوريون بموافقة من المجلس المحلي لعفرين بناء على توجيهات من والي ولاية هاتاي التركية (رحمي دوغان – Rahmi Doğan)، والمسؤول المباشرة عن إدارة المنطقة من طرف تركيا.
ولواء سمرقند يتبع اللواء 121 ضمن الفرقة 13 المنضوية ضمن الفيلق الأول التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية التابعة للائتلاف السوري.
وبحسب تقرير سوريون، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن سفح التل كان مغطى بالأشجار الحراجية، قبل أن يتمّ قطع الأشجار من الجزء الذي بنيت عليه القرية السكنية، كما هي عليه، ما يعني أن قطع الأشجار كان متعمداً وجاء بهدف بناء هذه المستوطنة.
وتتألف المستوطنة من 247 منزلا، وبدأت عمليات التوطين فيه اعتباراً من شهر آب الفائت.
وتبلغ مساحة المستوطنة بحسب أحد العاملين في بناءها، 40 – 50 دونم أي من 40 – 50 ألف متر مربع. واختارت منظمة إحسان العائلات التي تم إسكانها، إلى جانب منح منازل لعناصر لواء سمرقند، والمسؤول عن المستوطنة أمنياً، شخص منتدب من قبل لواء سمرقند واسمه (ي. الناظم).
وبحسب مصادر سوريون، يتحكم “المندوب الأمني” بسكان المستوطنة ويعطي القرارات والإنذارات للسكان.
ولواء سمرقند يتبع تركيا بشكل مباشر ويتقاضى مسلحوه حوالي 600 ليرة شهرياً يحصلون عليها من الحكومة التركية بحسب مصادر من داخل الفصيل نفسه تحدث معها “سوريون”.
و سبق أن ارتكب الفصيل العديد من الانتهاكات بحق أهالي ناحية جنديرس تنوعت ما بين قطع آلاف الأشجار في المنطقة، وعمليات اعتقال تعسفي وابتزاز مالي، والاستيلاء على ممتلكات علاوة على عمليات نهب لممتلكات مدنيين (خاصة في الأيام الأولى للسيطرة على المنطقة) بالإضافة للسيطرة على العديد من معاصر الزيتون التي تعود ملكيتها لأهالي المنطقة.
وبحسب التقرير كان للمجلس المحلي في مدينة عفرين دوراً بارزاً وأساسياً في المساهمة بإعطاء منظمة “إحسان للتنمية والإغاثة” الأرض التي بُنيت عليها المستوطنة، والترخيص على تلك الأرض الزراعية في جنديرس، وذلك قبل اتفاق المنظمة مع الفصيل المحلّي المسيطر على المنطقة (سمرقند).
تمحور دور “المجلس” في شقّين أساسيين: الأول كطرف تنظيمي بين المنظمة/إحسان ومكتب الوالي التركي الذي منح الموافقة الأولية على المستوطنة لمندوب المنظمة (إحسان).
لاحقاً، وبحسب مصادر “سوريون” فقد أعطى مكتب الوالي التركي أوامر شفهية للمجلس المحلي لعفرين، من أجل تسهيل عمل المنظمة، ليقوم “المجلس” في خطوة لاحقة باقتراح مجموعة من الأماكن على المنظمة من أجل بناء المستوطنة ومن ثمّ منح المنظمة “ورقة التخصيص” للمستوطنة ككل بعد انتهائه.
أمّا الدور الثاني لمجلس عفرين المحلّي فقد تمحور حول عملية التنسيق ما بين المنظمة (إحسان) والمجلس المحلي لجنديرس (نقصد هنا أنّ عملية التبليغ تأتي من مجلس عفرين إلى مجلس جنديرس مع إخبارها بموافقة الوالي التركي).
وتتشابه هذه الحالة بشكل كبير مع حالة “الترخيص” الذي قدمه المجلس المحلي في مدينة عفرين للمنظمات التي قامت ببناء مستوطنة منطقة جبل الأحلام.
وتخضع منطقة عفرين ككل (النواحي السبع) لسلطة مكتب والي ولاية هاتاي التركية (رحمي دوغان)، والذي يساعده مجموعة من النواب، يتولى كل واحد منهم ناحية في عفرين، وذلك بحسب عدد من أعضاء المجالس المحلّية التي تحدثت معها “سوريون”، والذين أكّدوا أنّ قضية المستوطنات بشكل خاص، هي من صلاحيات نائب والي ولاية هاتاي المسؤول عن ناحية عفرين.
أما حول الآلية العامة لعمل المجالس في باقي الأمور فقد لخّصها الأشخاص الذين تحدثت معهم “سوريون” كالآتي:
“من حيث التبعية الإدارية، تتبع المجالس المحلّية للحكومة السورية المؤقتة، ولكنّها في واقع الأمر تتلقى معظم أوامرها من الولاة الأتراك (نواب والي ولاية هاتاي). تأتي الرواتب والمخصصات المالية لموظفي المجالس المحلية من تركيا بشكل شهري، وتسمى منح مالية يقدمها والي هاتاي. بعض هذه المنح (جزء من المبالغ الشهرية) تقدمها قطر عبر الحكومة التركية.
وتعتبر التصرفات التي قام بها “لواء سمرقند” بالاشتراك مع المجلس المحلي لعفرين والمنظمات المذكورة في هذ التقرير فعلاً مجرّماً في القانون السوري، فالاستيلاء على الأملاك العامة والبناء عليها يعتبر تعدياً على هذه الأملاك وغصباً لها سنداً للمادة 724 من قانون العقوبات العام، التي نصت على عقوبة الحبس حتى ستة أشهر لكل من أقدم على غصب قسم من الأملاك العامة.
وتعتبر هذه المستوطنة واحدة من تسع مستوطنات تعمل تركيا على بناءها في عفرين عبر منح التراخيص لجمعيات تحمل صفة إغاثية وإنسانية، ولكنها في حقيقة الواقع تخدم مخططات تركيا في تغيير ديموغرافية عفرين بعد أن سيطرت عليها عام 2018، إذ كانت نسبة الكورد في المنطقة قبل السيطرة يزيد عن 90 % أما اليوم فهي تتراوح بين 15 – 20 %.