قبل أيام أطلق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو تصريحات تعبر عن المصالح التركية في سوريا، وقال إنه “يجب تحقيق المصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا”، هذه الكلمات لها دلالات كثيرة ويمكن فهمها في أكثر من اتجاه.
فتركيا عندما تدخلت في سوريا منذ بداية الثورة، كانت لديها أهداف مبيتة تتمثل بالسيطرة على حلب العاصمة الاقتصادية وشمال سوريا وصولاً إلى الحدود مع العراق، بالتزامن مع مخطط مشابه في العراق يتضمن السيطرة على الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية. فتركيا ترى في هذه المناطق جزءاً من الميثاق الملي الذي أعلن النظام التركي بشكل صريح عنه ونشر الخرائط لها على مدى السنوات الماضية.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، أصبحت صلة الوصل بين قطر والفصائل السورية المسلحة، حيث كانت باب عبور المسلحين والأسلحة والذخيرة إلى سوريا ومركزاً لتدريب المسلحين، كما أنشأت فصائل تركمانية دعمتها بالمال والسلاح لتجنيد المسلحين لصالحها، ومع مرور الأيام جعلت من هؤلاء التركمان يسيطرون على المسلحين العرب كقادة فيما تحول العرب إلى مجرد أداة لتحقيق المصالح التركية في سوريا.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية لم تكتفي تركيا بإنشاء ودعم المجموعات المسلحة، بل دعمت تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وهذا ما فتح الباب أمام تصفية الثوار السوريين لصالح تلك المجموعات.
وعندما فشلت تركيا في إسقاط الحكومة السورية نتيجة دعم روسيا وإيران وحزب الله، توجهت تركيا إلى الخطة الثانية، والتي تتضمن استخدام تلك الفصائل ضد شمال وشرق سوريا وتحديداً الشعب الكوردي. فتحول هدف المعارضة السورية من إسقاط الحكومة إلى السيطرة على المناطق الكوردية وتهجير سكانها، وهذا ما أتاح المجال أمام الحكومة السورية لتستعيد بعض عافيتها.
ومع دخول تركيا في حلف استانا مع روسيا وإيران، بدأت بالتخلي عن تلك المجموعات رويداً رويداً وبدأت من حلب، إذ أن تركيا هي من أوقفت الدعم عن الفصائل وأمرتها بالانسحاب وفتحت الباب أمام الحكومة السورية للسيطرة عليها، وهي من سحبت الفصائل من الغوطة الشرقية وريف دمشق وحمص وحماة، ولاحقاً من بعض أرياف إدلب وحلب.
هذه الانسحابات لم تكن دون مقابل، بل سيطرت من خلال المقايضات التي أجرتها، على الباب وجرابلس وإعزاز وعفرين ورأس العين وتل أبيض.
هذه المقايضات لم تكن فقط في سوريا، بل تخلت عن الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك تخلت عن الرئيس السوداني عمر البشير، وفي ليبيا تخلت عن بعض الأطراف على حساب أطراف أخرى.
ومع عزم تركيا شن هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا، ووضع خطوط حمراء أمامها من قبل إيران وروسيا، يبدو أن تركيا تخلت أيضاً مرة أخرى عن المعارضة السورية وفصائلها المسلحة وعقدت اتفاقات جديدة مع روسيا، تسمح لها بشن الهجمات على شمال وشرق سوريا وإداراتها الذاتية مقابل إعادة المسلحين والمعارضة إلى حضن الحكومة السورية وإجبارهم على توقيع وثيقة الاستسلام تحت مسمى المصالحة.
تركيا تبحث عن مصالحها في سوريا ولا يهمها الشعب السوري وثورته والتكلفة الباهظة التي قدمها الشعب السوري، فكل همها هو أن لا يحصل الشعب الكوردي على حقوقه ولا ضير في أن تقدم المعارضة والفصائل ككبش فداء للحكومة السورية على محرقة مصالحها.
وأمام هذا الوضع، لا تزال الكثير من الأصوات في المعارضة السياسية والمسلحة ترفض الاعتراف بأن تركيا تبحث عن مصالحها وترفض الاعتراف بأن تركيا باعتهم، فالدولة التي باعتهم في حلب والغوطة الشرقية لن يرف لها جفن إن باعتهم في إدلب وما تبقى من أرياف حلب أيضاً.
إن المعارضة السورية أخطأت عندما ارتمت في أحضان تركيا، وما تزال تسير في الطريق ذاته، وإن لم تتدارك هذا الخطأ فمصير المعارضين هو التوقيع على صكوك الاستسلام تحت مسمى المصالحة وحينها سيكون سجن صيدا أو فرع فلسطين في انتظارهم. ويقول المثل: العودة من منتصف الطريق أفضل من الخسارة الكاملة.