خلال السنوات الفائتة من الأزمة السورية شهدت العلاقات بين الحكومة السورية وتركيا قطيعة وعداوة كبيرين بسبب الدعم التركي الصريح للمعارضة السورية المسلحة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد لكن هذه القطيعة السياسية لم توقف الاتصالات الأمنية والاستخبارية بين أنقرة ودمشق وهو ما تدلل عليه تصريحات المسؤولين الأتراك منذ بداية العام الحالي 2022، ومع بدء تركيا بإعادة علاقاتها مع عدد من الدول العربية إضافة لإسرائيل.
وكان الرئيس التركي أردوغان قد أشار قبل مدة، إلى أن “السياسة الخارجية بين تركيا وسوريا مستمرة على مستوى الأجهزة الأمنية”، وقال: “لا يمكن للأنظمة الاستخباراتية أن تقوم بما يقوم به الزعماء، عليكم ألا تقطعوا هذا الخيط تمامًا، لأن هذا الخيط يلزمكم في يوم من الأيام”، وبعده تحدث وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن أن “حدوث لقاء سياسي مع النظام السوري في دمشق غير ممكن. أنقرة تتواصل في القضايا الأمنية فقط”.
ليجدد أردوغان مرة أخرى عن استمرارية هذه العلاقة الأمنية بعد تصريحاته عقب إنعقاد اجتماع سوتشي في الـ5 من شهر آب الجاري، وبأنه أخبر بوتين بضرورة تقديم الدعم لهم لتفعيل دور الاستخبارات في سوريا أكثر، قائلاً “إن جهاز المخابرات لدينا يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع المخابرات السورية.
وقالت صحيفة “تركيا” المقربة من الدوائر الحكومية التركية بأن الرئيسين التركي والسوري قد يجريان مكالمة هاتفية باقتراح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكانت صحيفة “المدن” قد ذكرت نقلًا عن مصادرها بأن لقاءً انعقد في موسكو بين حقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية مع علي مملوك رئيس جهاز الأمن في الحكومة السورية قبل عدة أشهر، وبحسب المصادر فإن موسكو تحاول من خلال عقد هذا اللقاء إعادة ترتيب الوضع في سوريا “لضمان عدم حدوث تأثيرات سلبية على الملف السوري، ناجمة عن أوكرانيا”، فيما نفت الحكومة السورية عن عقد هذا اللقاء، في حين قالت مصادر صحفية تركية حينذاك أن لقاءً سيجمع بين فيدان ومملوك في بغداد لكنه لم يتم.
رغم أن لهجة العداء بين الحكومة السورية والتركية لم تهدأ وتيرتها وخاصة بعد التصعيد الأخير الذي أقدمت عليه تركيا بشن هجمات متفرقة على المنطقة ودعم الفصائل الموالية لها، اذ تطالب الحكومة السورية بالانسحاب التركي من الأراضي السورية قبل الشروع بأي نقاش، وبذلك قال وزير الخارجية لدى الحكومة السورية فيصل مقداد” هناك عدة أشياء يجب أن تتحقق لتعود العلاقات السورية – التركية، هي سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، والكفّ عن دعم الإرهابيين وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع سوريا على أساس الاحترام المتبادل”.
وأثارت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، قبل مدة قصيرة، بشأن استعداد بلاده لدعم الحكومة السورية إذا ما قرّر مواجهة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، اهتمام الأوساط السياسية السورية، خصوصاً من جانب المعارضة، لجهة ما إذا كانت تحمل تغييراً في الموقف التركي إزاء الحكومة السورية، وبالتالي حيال المعارضة التي لا تزال تركيا من الدول القليلة التي تحتضنها، فهذا التقارب الذي طرأ فجأة على الملف السوري، جاءت بتأثيرات قوية على الائتلاف السوري لقوى المعارضة التي تتخذ من المدن التركية مقراً لتمرير مخططاتها وتفعيل دورها في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
حيث تلقت أوساط المعارضة السورية تصريحات جاووش أوغلو بكثير من التوجس، على الرغم من عدم صدور تعليقات مباشرة من جانب مؤسسات المعارضة الرسمية، لأسباب مفهومة، إذ تحتضن تركيا معظمها، وكردّة فعل على هذه التصريحات، قدم قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا أبو أحمد نور، استقالته تنديداً بالتصريحات.
ويرى المراقبون من المعارضة أن هذا التقارب إن حصل فهو سيواجه تعقيدات إضافية، كأن تطالب الحكومة السورية تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية كشرط للتعاون معها، وهذا يعني تخليها عن المعارضة التي استثمرت تركيا الكثير في دعمها خلال السنوات الماضية.
لكن في خطوة تحمل الكثير من علامات الاستفهام، أقدمت السلطات التركية قبل ستة اشهر من الآن، على إغلاق مقر للمعارضة السورية في العاصمة أنقرة يتبع لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الموالي لتركيا، فيما بررت مصادر تركية مطلعة إغلاق مكتب “الائتلاف” في أنقرة بمحاولة السلطات تخفيض الميزانية المالية المخصصة للائتلاف المدعوم تركياً، لا سيما مع وجود مقر آخر له في اسطنبول، بالإضافة لمقر رئيسي لما يسمى “الحكومة السورية المؤقتة” التي شُكلت قبل سنوات بدعم تركي أيضاً، إلا أنه بدى واضحًا أن هذا الأمر كان من ضمن التنسيق الأمني بين تركيا والحكومة السورية على مدار السنوات الماضية.
وفي ظل الاستقالات المتتالية في صفوف المعارضة السورية وقيادات الفصائل الموالية لأنقرة في الآونة الأخيرة، إضافة لما تشهده المناطق الخاضعة للسلطات التركية من عمليات تصفية واغتيالات تطال الصفوف القيادية، السؤال الذي يطرح نفسه هل سيشهد التقارب التركي- السوري تسليم قيادات المعارضة السورية من قبل تركيا إلى الحكومة السورية؟، أم ستطالب تركيا بخروجهم من أراضيها لبلدان أخرى على غرار قضية التقارب المصري- التركي وذلك لمسك العصا من المنتصف بعد أن أغلقت العديد من القنوات التابعة للإخوان المسلمين وطالبت أغلبية قياداتها بالخروج من تركيا، في حين أنها سلّمت عدداً قليلاً منهم للحكومة المصرية.