انتشرت إشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن تقديم أبو محمد الجولاني استقالته، من دون ذكر الأسباب، وعن أن مجلس الشورى الذي كان في حالة انعقاد ناقش طلب الاستقالة ووافق عليه، وقرر تعيين مظهر الويس قائداً عاماً للهيئة. إلا أن “هيئة تحرير الشام” الموالية لتركيا نفت صحة ما أشيع عن صدور قرار من مجلس شورى الجماعة يقضي بعزل أبو محمد الجولاني من منصبه، وتعيين الأخير مكانه.
ونقلت جريدة النهار العربي الخبر بالقول “قد يكون الخبر مثيراً للسخرية لأن المعروف عن الجولاني حبه الشديد للسلطة وعدم استعداده للتنازل عنها مهما كان الثمن. وقد كان هذا التمسك السبب المباشر في كثير من الخلافات والصراعات التي خاضها الجولاني ضد خصومه؛ سواء ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ضد تنظيم “القاعدة”، حيث وجهت إليه اتهامات من كلا التنظيمين بنكث البيعة التي كانت تربطه بهما، فكيف لمن كان شديد التمسك بالسلطة لهذه الدرجة أن يقدم استقالته طواعية”.
وتابعت الجريدة “أن هذه المفارقة في شخصية الجولاني، لم تمنع بعض المراقبين للمشهد الجـ.ـهاديّ في شمال سوريا حيث تسيطر “هيئة تحرير الشام” على منطقة خفض التصعيد التي تشمل إدلب وأرياف في حلب واللاذقية وحماة، من التوجّس من التسريبات المفاجئة التي تحدثت عن استقالة الجولاني. واعتبر هؤلاء أن هذه التسريبات قد تكون مقصودة بهدف جس النبض، لا سيما في ظل الضغوط التي يتعرض لها الجولاني من أجل إخراج منطقة إدلب من مدار التجاذبات القائمة بين روسيا وتركيا، وقد تجددت هذه الضغوط بعد القمة الثلاثية التي عقدها رؤساء إيران وروسيا وتركيا في طهران، حيث لفت المراقبون إلى تصريح الرئيس التركي الذي قال فيه: “نتفهم القلق من وجود بعض الأطراف في إدلب ولكننا نواصل السعي الى إيجاد حلول جذرية هناك” معتبرين أنه كان يشير إلى “هيئة تحرير الشام”
وأشارت الجريدة إلى أنه “سادت خلال السنوات الماضية أنباء كثيرة حول نية أنقرة العمل على دمج “هيئة تحرير الشام” مع الهياكل العسكرية الأخرى للمعارضة السورية المسلحة، لا سيما “الجبهة الوطنية للتحرير” وذلك تمهيداً لدمج حكومة الإنقاذ التي تشرف عليها “هيئة تحرير الشام” في إدلب، مع الحكومة الموقتة التي تدير شؤون مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام المحتلة من القوات التركية. ويفترض أن هذه المساعي التركية التي لم تتكلل بالنجاح، كانت تستهدف التخلص من الضغوط التي تمارسها روسيا على أنقرة لتنفيذ بنود التفاهمات الثنائية بين الجانبين وبالأخص تفاهم 5 آذار (مارس) لعام 2020 الذي ينص على إبعاد التنظيمات الارهابية عن الطريق السريع “أم فور” الواصل بين اللاذقية وحلب”.
وأردفت الجريدة “منذ نحو أربعة أشهر، اجتمعت القيادة التركية مع قيادات الفصائل العسكرية في الشمال السوري، وبحسب ما ذكره أبو محمد الحموي، القيادي السابق في “جبهة النصرة”، عن وقائع الاجتماع، أن الضابط التركي قال للمجتمعين أن “المرحلة القادمة تتطلب وضعاً جديداً وسنبدأ بدمج المناطق (إدلب ودرع الفرات وغصن الزيتون)، وعندما سئل الضابط عن كيفية تنفيذ ذلك في ظل وجود “هيئة تحرير الشام”، قال إن “الهيئة ستحلّ نفسها… وهذا عملنا”. وشدد على أنه سيُعقد اجتماع شهري من أجل مناقشة آليات تنفيذ هذا الاقتراح”.
ونوهت الجريدة “فسّر البعض مسارعة الجولاني إلى اقتحام منطقة غصن الزيتون، حيث دخلت قوافله إلى عدد من القرى في ريف عفرين لدعم “أحرار الشام” ضد “الجبهة الشامية”، على أنها كانت محاولة من الجولاني لإيصال رسالة إلى تركيا بأنه إذا كان هدفها دمج المناطق لتوحيد السلطة فيها فإنه هو “أي الجولاني” هو المؤهل الوحيد لتنفيذ هذا المشروع، غير أن رسالة الجولاني قوبلت بغضب مكتوم من الضابط التركي المشرف على ملف الفصائل المسلحة في الشمال السوري، حيث مارست أنقرة ضغوطاً كبيرة على الجولاني من أجل الانسحاب من القرى التي اقتحمها في عفرين، وإن كانت صيغة الاتفاق لحل الخلاف بين “أحرار الشام” و”الجبهة الشامية” قد راعت مصالح الجولاني، لا سيما من خلال إقرار عودة مقاتلي “أحرار الشام” إلى معاقلهم السابقة التي كانت “الجبهة الشامية” قد أجبرتهم على إخلائها”.
وأضافت الجريدة أنه “وفقاً للحموي، القيادي السابق في “جبهة النصرة”، فإنه “على إثر الخلاف مع الفريق التركي حول التعامل مع الهيئة حدثت منذ أيام تغييرات في القائمين على الملف، فالتوجه من القيادة التركية هو حل الهيئة ودمجها مع الجبهة الوطنية وذلك للتخلص من ابتزاز روسيا وإيران”. وتابع أنه على إثر هذا “فقد طرح الجولاني مشروعاً تتم مناقشته منذ أيام يتضمن تشكيل جسم جديد يترأسه شخص غير محروق دولياً (مظهر الويس من الأسماء المطروحة) ويتراجع هو إلى الخلف”.
وبينت الجريدة ” أن الجولاني كان قد اختبر سياسة “القيادة من الخلف” عند تشكيل “هيئة تحرير الشام” حيث سلّم القيادة العامة فيها لأبي جابر الشيخ، القائد العام الأسبق لحركة “أحرار الشام”، بينما تولى هو شغل منصب نائب القائد العام، وقد كانت الأشهر القليلة بين تموز (يوليو) وتشرين الأول (أكتوبر) من عام 2017 هي الفترة الوحيدة التي لم يتربع فيها على عرش تنظيمه، وقد اضطر آنذاك إلى القبول بلقب “الرجل الثاني” في التنظيم من أجل احتواء حالة الغضب الشعبي والفصائلي التي انفجرت في وجه “جبهة النصرة”، لا سيما بعدما فقدت ظهيرها الخارجي المتمثل بتنظيم “القاعدة” الأم.
واختتمت الجريدة “لعل الجولاني الذي لم يرقَ له الكلام التركي أثناء انعقاد القمة الثلاثية في طهران، أراد استباق قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان من أجل توجيه رسالة الى الداخل والخارج من أنه غير متمسك بمنصبه ومستعد في الوقت ذاته لاختبار “القيادة من الخلف” مرة أخرى. وقد لا تكون هذه الرسالة من قبيل التنازل، في كل الأحوال، لأنها ربما تنطوي على تهديد ما بأنه إذا زادت الضغوط على الجولاني وأصبح عاجزاً عن مواجهتها، فسوف يتبع المثل القائل “عليّ وعلى أعدائي” معتمداً على الدور الوظيفي الذي يقوم به في مواجهة بعض التنظيمات الارهـ.ـابية في إدلب وعلى رأسها “داعش” و”حراس الدين””.