قالت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أن الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية تستولي على السلال الغذائية المرسلة من الأمم المتحدة إلى تلك المنطقة، وأكدت أنه يجب الضغط باتجاه إعادة فتح معبر اليعربية/تل كوجر وضمان منع استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط أو ابتزاز من قبل الحكومة السورية وضمان وصول وتسهيل المساعدات إلى جميع سكان شمال شرق سوريا بدون أي تمييز.
وبحسب تقرير المنظمة الذي صدر اليوم، أدى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2504، الخاص بإيصال المساعدات الأممية إلى سوريا، والصادر بتاريخ 11 كانون الثاني/يناير 2020، إلى إعطاء “الحكومة السورية” أداة سياسية إضافية للضغط على سكان شمال شرق سوريا. عبر منحها التحكم واحتكار المساعدات الأممية المخصصة للمنطقة. حيث أصبحت “المساعدات الإنسانية” تأتي عبر مناطق سيطرة الحكومة السورية، وبتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة في دمشق والمنظمات الإنسانية والجمعيات الشريكة لوكالات الأمم المتحدة، كما لم تسلم المشاريع التنموية والخدمية من تحكم الحكومة السورية هي الأخرى.
لاحقاً، تمّ تكريس هذا الضغط السياسي من خلال استمرار إغلاق معبر اليعربية/تل كوجر، بعد تبنّي مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2533 بتاريخ 11 تموز/يوليو 2020، والذي نصّ على تمديد تفويض الأمم المتحدة لإدخال المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا عبر معبر واحد (باب الهوى) وعبر خطوط النزاع (ما بين مناطق السيطرة السوريّة المختلفة).
ووثقت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عمليات الاستغلال والتحكم الجارية بالمساعدات الأممية منذ كانون الثاني/يناير 2020، وهو الشهر الذي تمّ إغلاق معبر اليعربية/تل كوجر فيه، وذلك من خلال مقابلات مركّزة أجرتها المنظمة عام 2022، مع مجموعة من عمّال/موظفي إغاثة، منهم ثلاثة موظفين/ات في وكالات تتبع للأمم المتحدة: أحدهم كان مشرفاً على توزيع المساعدات في شمال شرق سوريا، والثاني موظف في أحد مخازن تجميع المساعدات جنوب القامشلي، والثالث مشرف ميداني على فرق التوزيع المحلي. إضافة إلى ذلك/ تمّ إجراء مقابلات مع موظفين في منظمات محلية ودولية تنشط في شمال شرق البلاد، كان من بينهم موظفون وعمّال إغاثة في “الهلال الأحمر السوري”، وجمعيات محلية مرخصة من قبل الحكومة السورية.
وحصلت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على معلومات تفيد بأن الحكومة وأجهزة أمنية مرتبطة بها في مدينتي الحسكة والقامشلي، تمنح قسماً من المساعدات الأممية لعناصر من الجيش السوري وأجهزة الأمن وأعضاء من “حزب البعث” الحاكم، وعائلاتهم أحياناً، مقابل حرمان النازحين في المخيمات والعائلات الأكثر حاجة في المدن والأرياف من المساعدات المخصصة لهم.
وفاقم هذا التحكم والاستغلال أمرين، الأول: اعتماد وكالات الأمم المتحدة في مسألة التوزيع على شركاء محليين مرتبطين بالحكومة السورية، بشكل رسمي أو شبه رسمي. الثاني: إيصال هذه المساعدات إلى المنطقة يتم عبر مطار القامشلي أو طرق برية، وجميعها تخضع لسيطرة الحكومة السورية.
وفي ظل تضارب الأرقام حيال عدد السلال الغذائية التي تصل شهرياً لمحافظة الحسكة فضلاً عن المساعدات الطبية، خصوصاً فيما يتعلق بجائحة كورونا، فمن الصعب التأكد من الكميات والنسبة التي تستحوذ عليها الجهات الحكومية وأفرع “حزب البعث” والجهات العسكرية والأمنية. إلاّ أن سوريون واستناداً إلى المعطيات التي حصلت عليها لغرض هذا التقرير، فإنّها تقدر عدد تلك السلال بـ”عشرات الآلاف”.
يشار إلى أن المصادر التي تحدثت معها “سوريون” أعربت عن قلقها من استخدام الحكومة السورية المساعدات الإغاثية والإمدادات الطبية، لا سيما لقاحات “كوفيد 19” كسلاح سياسي، في ظل عدم التوصل لحلول أو منافذ بديلة لإيصال المساعدات.
وبمقارنة زمن وصول أول دفعة من لقاح كورونا إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، التي تملك منفذاً لدخول المساعدات الأممية (باب الهوى)، ومناطق سيطرة الحكومة السورية، ومناطق “الإدارة الذاتية”، نجد أن وتيرة وصول وتوزيع اللقاحات لمناطق المعارضة والحكومة السورية) والمقدمة من منظمة الصحة العالمية، جرت بشكل أسرع مقارنة مع سرعة وصولها وتوزيعها إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” قادمة من دمشق عبر مطار القامشلي، لكن لم يعلن حينها عن عدد اللقاحات.
وصفت بعض الشهادات التي حصلت عليها “سوريون” عملية اعتماد منظمات الأمم المتحدة على شركاء محليين (مرخصين من الحكومة) بمثابة دليل على مسألة التلاعب بالمساعدات ومحاولات استخدامها سياسياً.
إذ تعتمد منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المدعومة منها بشكل رئيسي في عملية التوزيع على فرع “الهلال الأحمر العربي السوري” بالحسكة، و”جمعية البر” في القامشلي، و”الجمعية الأرمنية” بإشراف لجنة الإغاثة الفرعية، وبعض الجمعيات المحلية المسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية. ويمول الجمعيات المحلية المسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية لوجستياً “الهلال الأحمر السوري”. وذلك بَعد تقسيم المحافظة جغرافياً وتخصيص كل جهة بالتوزيع ضمن نطاق جغرافي محدد.
لكن فرع “الهلال الأحمر” هو الجهة الأكثر توزيعاً للسلال، من حيث اتساع المناطق التي يشملها التوزيع أو من حيث عدد المستفيدين.
وكان المركز السوري للعدالة والمساءلة قد حصل على وثائق أظهرت دور أجهزة المخابرات السوريّة في توجيه المساعدات الإنسانية والتلاعب بتدفقها، لمعاقبة فئة السكان الذين تعتبرهم معادين لها، ومكافأة الموالين للحكومة. فيما كشفت هيومن رايتس وتش في تقرير لها كيف استغلت الحكومة السورية المعونات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار، وفي بعض الأحيان والأماكن تستخدمها لترسيخ السياسات القمعية.
مشرف توزيع في “الهلال الأحمر” قال لـ”سوريون”، إن نحو 70 ألف أسرة مسجلة لدى الهلال السوري في محافظة الحسكة، في حين يبلغ إجمالي السلال التي وصلت للمنظمة للعامين 2021 و2022 نحو 85 ألف سلة، مخصص لكلّ عام. تمّ توزيع نحو 44 ألف سلّة حتى نهاية العام الماضي، بينما تم توزيع 29 ألف سلة خلال الربع الأول من العام الحالي.
وأضاف في شهادته قائلاً: “لم يوزّع ربع ماذُكر بسبب استحواذ بعض الجهات الأمنية على مجمل المساعدات في مركز المحافظة. فلكلّ جهة أمنية نافذة نصيب من المساعدات سواء كانت غذائية أو لوجستية، ومن المفترض أن تصل للأسر المتضررة في مركز المدينة ومراكز الإيواء”.
وبحسب المعلومات التي جمعتها “سوريون” عبر الرصد الميداني، تستحوذ “قيادة ميلشيات الدفاع الوطني” في محافظة الحسكة على أكثر من 40 % من إجمالي المساعدات. وتبيع تلك “الحصّة” في السوق السوداء، وتصرف عوائد البيع على دفع رواتب وأجور المتطوعين ضمن صفوفها.
وتطلب محافظة الحسكة التابعة للحكومة السورية شهرياً من جميع الدوائر الحكومية، التنسيق مع “الهلال الأحمر”، لإرسال سلال غذائية لموظفي الحكومة بشكل شهري. وتنسّق المحافظة مع “مكتب الشهداء” وفرع “حزب البعث” من أجل منح أُسر قتلى وجرحى جيش الحكومة السورية قسماً من المساعدات بشكل شبه دائم. مع حرص المحافظة على استمرار ملء مخازنها بالسلال. ويبلغ إجمالي السلال التي توزع على الأجهزة الأمنية شهرياً نحو 500 حصة.
وكشف شهادات ميدانية أخرى حصلت عليها “سوريون” لغرض هذا التقرير، عن أسماء جهات محلية أخرى مسؤولة عن توزيع المساعدات، تعدّ قوائم بأسماء وهمية على أنها أسر محتاجة، لكن من غير المعروف عدد هذه الأسماء ولا حجم المساعدات التي يتم اقتطاعها.
ولا تتجاوز فعلياً نسبة التوزيع على العائلات 25 % من إجمالي المساعدات الواصلة إلى المحافظة، وذلك لمرة واحدة كل ثلاثة أشهر بمعدل 75 % في الريف، و25 % في مدينة الحسكة.
ويتركز التوزيع بحسب أرقام حصلت عليها “سوريون” في بلدة تل تمر وريفها بمعدل 1255 حصة، وريف مدينة الحسكة بمعدل 1600 حصة، وأكثر من 12 حي بمدينة الحسكة بمعدل 3100 حصة كل ثلاثة أشهر.
إضافة إلى ذلك يتم توزيع قسم من السلال على الوافدين/النازحين إلى محافظة الحسكة بمعدل 2000 حصة، بينما ينال المهجّرين من سري كانيه/رأس العين نحو 850 حصة، والشدادي (تشمل مركدة والعريشة والشدادي) بمعدل 5000 حصة. فيصبح مجموع معدل الحصص: 13805 حصة يوزعها الهلال الأحمر السوري فقط من أصل 70 ألف أسرة مسجلة لديه.