اللعب مع الكبار ليس بالأمر الهيّن، فما بالك إن كان الكبار أميركا وروسيا اللتان تتقنان فنون السياسة والحرب والتلاعب بالدول وفق مصالحها. يبدو أن تركيا تعيش مأزقاً كبيراً بين الدولتين في سوريا.
منذ مدة يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن هجوم جديد على مناطق الإدارة الذاتية في شرق الفرات وغربه، ولكنه حتى الآن لم يحصل على ضوء أخضر أميركي أو روسي.
أردوغان المأزوم داخلياً على خلفية انهيار الليرة التركية والواقع الاقتصادي السيء وزيادة الاحتقان الشعبي ضده وفقدانه للشعبية يوماً بعد يوم، بحاجة إلى حرب وإن كانت صغيرة يحقق فيها انتصاراً سريعاً، وذلك لكسب أصوات القومويين الأتراك، وهذا يتحقق له بشن هجوم على مناطق تواجد الكورد في سوريا، ولكن رغبته هذه تصطدم بسياسات أكبر قوتين في العالم عسكرياً أميركا وروسيا، اللتان تتلاعبان بتركيا.
فالولايات المتحدة تقول لأردوغان بأن يهاجم غرب الفرات حيث لا سيطرة للقوات الأميركية على أجواء المنطقة، بل السيطرة للقوات الروسية، وبذلك تريد أميركا ضرب تركيا وروسيا ببعضهما البعض للاستفادة على عدة مستويات أولها إشغال روسيا بجبهة سوريا بالإضافة لتقليل تأثيرها في أوكرانيا، وهذا من شأنه أن يبعد تركيا أردوغان عن روسيا وإعادتها إلى حضن الناتو، وهذا ما يجبر أردوغان على تقديم التنازلات لأميركا في الكثير من الملفات الخلافية بين الطرفين.
أما الجانب الروسي، فهو يشجع تركيا على شن هجمات على شرق الفرات، حيث الأجواء تخضع لسيطرة أميركا والتحالف الدولي، وغاية الروس أيضاً واضحة، هو خلق شرخ بين تركيا والولايات المتحدة وإبعادها بشكل كامل من حلف الناتو في حال أقدمت تركيا على شن هجمات على المنطقة دون إذن أميركا، وبالتالي الاستفادة من تركيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
سبق وأن قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: عندما ترقص الفيلة على الصغار أن يبتعدوا. يبدو أن تركيا أردوغان لم تفهم كلام ترامب حينها، واليوم باتت تفهمه جيداً، فعندما تمارس أميركا وروسيا السياسة وترقصان على الأرض السورية والأوكرانية وبقاع أخرى من العالم، على الصغار من أمثال تركيا أن يبتعدوا حتى لا يقعوا ضحية تحت وقع أقدام الفيلة.