ما أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيته شن هجمات على شمال وشرق سوريا، حتى أظهرت روسيا والولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة وإيران وحتى الحكومة السورية موقفها الرافض للهجمات. فهل أفرغت هذه المواقف تهديدات أردوغان من فحواها ووضعت خطوطاً حمراء أمامه.
منذ مطلع نيسان من العام الجاري، كثفت القوات التركية من قصفها لمناطق شمال وشرق سوريا، وبعد شهر من التصعيد على الأرض أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع أيار المنصرم عن مخططه الاستيطاني بتوطين مليون لاجئ سوري مقيمين على الأراضي التركية في مناطق شمال وشرق سوريا، وبعد أقل من أسبوعين هدد بشن هجمات جديدة على المنطقة لتوطين هؤلاء اللاجئين، كاشفاً بذلك عن هدفه الأساسي الساعي للسيطرة على المنطقة وليس حرصه على السوريين كما يدعي خصوصاً وأن السوريين يتعرضون للتمييز العنصري داخل تركيا ويحرقون وهم أحياء دون أي تحرك من السلطات التركية لمحاسبة الجناة.
ومنذ ذلك الوقت صدر أكثر من تصريح من أردوغان نفسه لشن الهجمات على شمال وشرق سوريا، كما كرر وزير خارجيته جاويش أوغلو ووزير دفاعه خلوصي آكار كلماته كالببغاوات.
ولكن الردود العالمية لم تكن كما يتوقعها أردوغان. إذ حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تركيا، من مغبة تنفيذ هجوم عسكري في سوريا، قائلاً إنه “سيعرّض المنطقة للخطر”.
وحثّ بلينكن تركيا على التزام اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع عام 2019، وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ: “القلق الكبير الذي يساورنا هو أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي وأن يوفر للأطراف الفاعلة الخبيثة إمكانية لاستغلال عدم الاستقرار”.
وتابع بلينكن: “لا نريد رؤية أي شيء يعرّض للخطر الجهود التي بذلناها لإبقاء تنظيم الدولة الإسلامية في الصندوق الذي حبسناه فيه”.
وتبعه بعد ذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الذي أكد أن أي هجوم تركي جديد على شمال سوريا من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي ويزيد من تفاقم الوضع.
وقال برايس: “ما زلنا نشعر بقلق عميق بشأن المناقشات حول زيادة محتملة للنشاط العسكري في شمال سوريا، ولا سيما تأثير ذلك على السكان المدنيين”.
وأضاف: “نحن نواصل دعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية، وندين أي تصعيد يمكن أن يهدد الأوضاع. من المهم للغاية لجميع الأطراف الحفاظ ودعم مناطق وقف إطلاق النار”.
وتابع: “أي محاولات لفعل العكس ستؤدي إلى نتائج عكسية وتوسع الصراع. أي هجوم جديد سيقوض الاستقرار الإقليمي”.
فيما نصح المبعوث الخاص للرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بعدم الانخراط في وضع توقعات افتراضية بشأن شن تركيا لهجوم على شمال وشرق سوريا.
وأشار بوغدانوف أن روسيا “تؤيد حل جميع القضايا على طاولة المفاوضات، وقال: “أعتقد أن جميع القضايا المتعلقة بضمان وقف إطلاق النار، وتسوية كافة المسائل يمكن أن تتم في هذا الإطار”، وذكر تركيا بالتنظيمات الإرهابية المتواجدة في مناطق سيطرة تركيا بسوريا، وقال يتعين أن تكون هناك فكرة عامة عمن يمكن اعتباره إرهابياً، وأين يصنف إرهابياً، فيما يبدو أنه رسالة إلى تركيا لدعمها الإرهابيين.
ولم تتوقف الردود على هذا فحسب، بل شدد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على رفض المنظمة الدولية أي عمل عسكري جديد في سوريا، سواء من جانب تركيا أو أي طرف آخر.
ورداً على سؤال بشأن الهجوم التركي الذي أعلن عنه أردوغان قال دوجاريك للصحفيين “نحن ندافع عن وحدة أراضي سوريا. ما تحتاجه سوريا ليس مزيدا من العمليات العسكرية، أياً كان مصدرها”.
أما إيران، شريكة روسيا وتركيا في أستانا، فقالت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، أنها تعارض أي نوع من الإجراءات العسكرية واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فض النزاعات.
وأضافت: “إن الإجراءات العسكرية على أراضي الدول الأخرى تشكل انتهاكاً لوحدة الأراضي والسيادة الوطنية لتلك الدول وسيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد”.
فيما قالت وزارة الخارجية في الحكومة السورية إنها ستعتبر أي هجوم وتوغل عسكري تركي في أراضيها “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، وأكدت أنها بعثت برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وصفت فيها تصرفات تركيا بأنها غير شرعية، وأضافت “أنها ترقى إلى توصيفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.