دائماً ما يتحجج رئيس الدولة التركية رجب طيب أردوغان بوجود من يسميهم الإرهابيين على حدود بلاده، ويقول بأنه سيقضي عليهم، ولكن السنوات الـ 11 من الأزمة السورية وتدخله في الشأن السوري وتوغله في أراضي إقليم كوردستان والعراق والبلدان العربية تقول غير ذلك، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل فعلاً تستهدف تركيا الكورد فقط أم أن لها أهدافاً أخرى؟
قد لا يتذكر الكثيرون اعتذار أردوغان عن حملة أمنية نفذتها السلطات التركية في الفترة ما بين 1936 و 1939 في منطقة ديرسم الكوردية في تركيا والتي أودت بحياة نحو 14 ألف شخص وفق وثائق رسمية تعود إلى ذلك التاريخ، ولكن العدد الفعلي كان أكبر من ذلك بكثير.
في ذلك اليوم المصادف لـ 23 تشرين الثاني من عام 2011، قال أردوغان في خطاب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم بأنقرة نقله التلفزيون الرسمي “إذا كانت هناك حاجة إلى الاعتذار أصالة عن الدولة، وإذا وجد مثل هذا العُرف، فإنني سأعتذر، وها أنا أعتذر”.
اعتذار أردوغان هذا جاء بعد أشهر قليلة من فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في حزيران عام 2011، والتي قال بعد الفوز فيها، “الشعب أبلغنا رسالة ببناء الدستور الجديد من خلال التوافق والتفاوض”، مدعياً أن الدستور الجديد سيستند إلى مبادئ ديمقراطية وتعددية. إذ كان أردوغان يأمل بالسعي إلى رئاسة تركيا، وكان يريد من هذه الخطوة كسب ود الكورد وحزب السلام والديمقراطية الذي فاز أعضاءه بـ 35 مقعداً رغم أنهم ترشحوا كمستقلين.
وبعد ذلك بدأ أردوغان في عام 2013 بعقد اتفاق سلام مع الكورد وحزب العمال الكردستاني تحديداً، وبذلك سعى لكسب أصوات الكورد في انتخابات عام 2014 والتي أصبح فيها رئيساً للبلاد عبر الاقتراع المباشر لأول مرة في تاريخ تركيا.
حينها لم يكن الكورد إرهابيين بنظر أردوغان لأنه كان بحاجتهم لبلوغ غايته في الوصول إلى رئاسة الجمهورية لجعل نفسه الآمر الناهي في البلاد كلها. أما اليوم، فهؤلاء الكورد الذين اعتذر لهم أردوغان وبدأ مرحلة السلام معهم أصبحوا إرهابيين بنظره.
إذن، ما الذي تغير فجأة. هل الكورد تغيروا أم أردوغان؟ وماذا عن الأزمة السورية وتدخله المباشر فيها؟
مخطط أردوغان كان واضحاً منذ بدء ثورات الربيع العربي في المنطقة، فهو كان يخطط للسيطرة على البلدان العربية التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وخسرتها بداية القرن الماضي، ولكن شعوب المنطقة والمسلمة خصوصاً انخدعت بترويج أردوغان للدين، وظنت أنه سيجلب لهم العدالة والديمقراطية بعدما ذاقوا الأمرين على يد حكامهم.
ولكن عندما فشل مخطط أردوغان للسيطرة على هذه الدول مثل مصر وليبيا والسودان واليمن وسوريا عبر جماعة الإخوان، لجأ أردوغان إلى الخطة البديلة والتي تتضمن الادعاء بمهاجمة الكورد حتى يغفل العرب عن حجم المخطط وعندما سيدركونه سيكون القطار قد فاتهم.
أردوغان عندما كان ينشر صور خارطة الميثاق الملي أو ما يسمونه باللغة التركية “عهدي ملي”، كان يؤكد أن البلدان الواردة في الخريطة هي هدف له، حيث تضم الخريطة أجزاء من سوريا والعراق وجورجيا وروسيا وأرمينيا وقبرص واليونان. ويعمل أردوغان بكل إمكاناته للوصول إلى هذه المناطق إما عبر التدخل في الحروب دعماً لطرف على حساب طرف آخر أو يتدخل بجيشه مباشرة مثلما هو الحال في سوريا والعراق.
ففي سوريا كل شيء واضح، إذ أن تركيا بدأت أولاً من مناطق عربية إعزاز وجرابلس وإدلب والباب، ومن ثم لاحقاً انتقلت إلى المناطق الكوردية مثل عفرين ورأس العين، وفي العراق أيضاً فعلت الشيء ذاته، فتمركزت في بعشيقة قرب الموصل في عمق الأراضي العراقية والآن تشن الهجمات على إقليم كوردستان، وفي أرمينيا تدخلت إلى جانب أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، وهي متدخلة في قبرص منذ عام 1974 وتثير التوترات يومياً مع اليونان على أمل أن تندلع حرب لتسيطر على جزرها وهي موجودة بجيشها في ليبيا.
وفي أي منطقة تدخلها تركيا فأنها لا تخرج منه، وتعمل على تمكين تواجدها فيه من خلال عمليات التتريك وفرض العملة واللغة والعلم والتعليم التركي، إلى جانب ربط جامعات تلك المناطق بالجامعات التركية وافتتاح دور العبادة والمراكز الثقافية التي تروج للتركياتية فيها، هذا عدا عن تغيير أسماء المدن والساحات والبلدات والقرى وإطلاق أسماء تركية عليها، بالإضافة إلى عمليات التغيير الديموغرافي والتوطين والاستيطان ونقل التركمان إليها وتمكينهم فيها، وجعل العرب والكورد أتباعاً لهم عبر بعض الخونة والمرتزقة الذين باعوا كل شيء في سبيل الحصول على المال.
وها هو أردوغان يهدد بشن هجمات جديدة على سوريا للسيطرة على أجزاء جديدة بحجة نقل مليون لاجئ سوري إليها، رغم أنه يسيطر أساساً على مناطق كثيرة من سوريا ويستطيع إعادة هؤلاء اللاجئين إلى تلك المناطق في إعزاز وجرابلس والباب والراعي ولكن نقله اللاجئين إلى تلك المناطق سيفقده حجة الهجمات والسيطرة على المناطق التي يراها جزءا من ما يسميه الميثاق الملي.
خلاصة القول؛ يريد أردوغان السيطرة على دول المنطقة ليعلن نفساً خليفة على المسلمين، ويجعل من نفسه امبراطوراً يعيد أمجاد سلطنة بائدة احتلت دول المنطقة لـ 400 سنة وسببت فيها الفقر والجهل والخراب. بكل تأكيد فأن شعوب المنطقة لن تقبل العودة إلى الوراء 400 سنة ولن تقبل بهذا المخطط.