يرغب أردوغان بشدة شن هجمات جديدة على مناطق شمال وشرق سوريا للوصول إلى حدود ما يسميه الميثاق الملي والعودة إلى المناطق التي خسرتها الدولة العثمانية في بداية القرن الماضي بعدما أصبحت رجل أوروبا المريض. ولكن في ظل الظروف والمتغيرات الدولية هل يستطيع أن يفعل كل ما يريد؟
في الثالث والعشرين من أيار الجاري، عاد أردوغان ليهدد بشن هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا، وقال إنه سيتم اتخاذ القرار في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي انتهى اليوم دون دلالة واضحة لشن الهجمات، فقط اكتفى مجلس الأمن القومي التركي بالإشارة إلى أنه سيستمر بمحاربة المنظمات التي يراها هو دون غيره إرهابية، ونوه أن الهجمات التي يشنها تحافظ على وحدة وسلامة أراضي دول الجوار، ولكن تجربة قبرص ماثلة للعيان أمام الجميع، فهي موجودة هناك منذ عام 1974 حيث قسمت قبرص إلى دولتين وتعترف هي لوحدها بالشطر الذي تسيطر عليه. وكذلك ادعى بيانها بأنها تشن الهجمات للحفاظ على أمنها القومي، ولكن عندما تحتل دولة أراضي شعب ما فأنه من الطبيعي أن يقاوم الشعب تلك الدولة وينفذوا العمليات ضدها، فكيف تكون محتلاً وتريد من أصحاب الأرض في ذات الوقت أن لا يعترضوا لك. إنها ازدواجية واضحة. طيلة سنوات الأزمة السورية لم تتعرض الحدود التركية لأي هجوم من شمال وشرق سوريا.
لدى تركيا أطماع في المنطقة ولا تتوانى عن شن الهجمات في أي وقت من أجل استهداف الكورد والعرب الذين يقفون ضد أطماعها ويعون حقيقة خططها، فرئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو عندما كان رئيساً للوزراء قال إنه يكفي إطلاق عدة صواريخ من الأراضي السورية باتجاه الأراضي التركية لإيجاد ذريعة للهجوم على المنطقة، وهذا ما تفعله تركيا حالياً. ولكن تركيا الراغبة بشدة شن الهجمات على المنطقة لا تستطيع شن أي هجوم دون ضوء أخضر روسي وأميركي وهذا أمر مسلم به.
ميدانياً على الأرض، لا توجد مؤشرات حتى الآن على الأقل، لأية حشود أو تحرك عسكري يشير إلى أن تركيا ستشن هجمات على المنطقة، خصوصاً مع رغبة كل من روسيا وأميركا بأن تحدد تركيا موقفها من ما يجري في أوكرانيا، فوقوفها إلى جانب روسيا يعني معارضة أميركا لهجماتها والعكس صحيح، وتجمع تركيا مع الطرفين اتفاقات وقف التصعيد التي وقعتها في 17 و22 تشرين الأول عام 2019 مع أميركا وروسيا على التوالي، وبالتالي فهي مقيدة ولا تستطيع الحراك دون هاتين القوتين العظميتين.
الكل يتذكر نهاية العام الماضي وبالتحديد في تشرين الأول في الذكرى السنوية لهجماتها على تل ابيض ورأس العين، كيف أن روسيا منحتها الضوء الأخضر لشن الهجمات على عين عيسى برياً دون أن تسمح بتحرك الطيران، حينها هاجمت تركيا تلك البقعة الجغرافية الصغيرة وبشدة، ولكنها منيت بخسارة كبيرة، لذلك فهي تدرك أن أي تحرك بدون الطيران لن يكون ذا نفع، وسيؤدي إلى خسارة مدوية قد تضع نهاية مأساوية لنظام أردوغان.
ولذلك، يرى الكثير من المراقبين بأن التصعيد الإعلامي التركي والتهديد بشن هجمات على شمال وشرق سوريا بالتزامن مع طلب السويد وفنلندا طلبات العضوية إلى حلف الناتو ورفض تركيا لذلك وفق مبادئ الحلف التي تتطلب موافقة الجميع على أي طلب انضمام، له أهداف يسعى أردوغان إلى تحقيقها ومنها إتمام صفقة طائرات اف 16 الأميركية ورفع العقوبات على صناعاتها الدفاعية التي تعيق تصنيع طائراتها المسيرة وتضع حداً لطموحها في تطوير هذه الطائرات التي تحصل على غالبية قطعها من الدول الأوروبية وكندا، وكذلك إظهار مناطق شمال وشرق سوريا بأنها ليست آمنة للاستثمار بعد أن رفعت الولايات المتحدة عقوبات قيصر عن المنطقة وسمحت للاستثمار فيها.
علاوة على ذلك، شهدت المنطقة مؤخراً عودة للقوات الأميركية وسط الحديث عن تفعيل قاعدة خراب عشك الاستخباراتية التي وضعت قائمة بأسماء قيادات القاعدة التي تنشط في مناطق سيطرة تركيا، لاستهدافها في قادم الأيام وهو الأمر الذي سيحرج تركيا كثيراً خصوصاً أن خليفتي التنظيم أبو بكر البغدادي وقرداش قتلا في إدلب على مقربة من القواعد التركية.
وكما هو معلوم فأن أي ضوء أخضر روسي أو أميركي يستوجب تنازلات كبرى من تركيا، وإذا ما منحتها روسيا الضوء الأخضر فسيكون على حساب مناطق أخرى تحت سيطرتها، مثل مدينة الباب، حيث نقلت روسيا قوات إليها برفقة الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يشير إلى أن أي تحرك تركي سواء كان بموافقة أو دونها سيقابله خسارة الباب، وبالتالي قطع أوصال المناطق التي تسيطر عليها، كما أن إدلب هي إحدى الأهداف التي لم تتخلى عنها روسيا والحكومة السورية وإيران بعد واحتمالية خسارتها أمر وارد جداً.
ويرى الخبراء أن تركيا لن تحصل على ضوء أخضر روسي أو أميركي لشن هجمات على المنطقة، وهي لا تستطيع التحرك بمفردها لأنها ليست في موقف القوي خصوصاً مع تدهور اقتصادها وتبعات أية عقوبات محتملة على الداخل التركي الذي بدأ يظهر استيائه من سوء إدارة أردوغان وفساد نظامه وهذا ما أظهرته مؤخراً استطلاعات الرأي التي أجريت.
ولذلك يشير الخبراء أن تركيا ستستمر في استهداف المنطقة عبر القصف المدفعي واستخدام الطائرات المسيرة بين الحين والآخر وكذلك استخدام الحرب الخاصة من أجل خلق الفتنة بين مكونات المنطقة، إضافة إلى إمكانية لجوئها إلى حرق المحاصيل بعد أن استخدمت المياه كسلاح للحرب وقطعها لمياه نهري الفرات ودجلة وتسببها بخسائر كبيرة للمزارعين.
ويحذر الخبراء من أنه في حال إقدام تركيا على شن هجمات على المنطقة، فأن هذا سيساعد إيران على التمدد أكثر في المنطقة، ومن إحدى استراتيجيات الولايات المتحدة في سوريا هي مواجهة التمدد الإيراني، وبالتالي فأن أي هجوم تركي سيجعل من قوات سوريا الديمقراطية تركز على المنطقة الحدودية وهذا سيترك فراغاً في دير الزور وستبقى القواعد الأميركية مكشوفة، وفي حال وصول إيران إلى المنطقة فأنها ستنتقم من العرب السنة في دير الزور.