انتشرت في الآونة الآخيرة بمناطق شمال وشرق سوريا خصوصاً وفي مناطق متفرقة أخرى من سوريا عموماً ظاهرة لا يمكن أن نغفل بالحديث عنها والتي كانت ومازالت تشغل حيزاً كبيراً في المجتمع بأكمِله وهي ظاهرة التسول والنبش في القمامة، فماهي الدوافع ومن هي الجهات التي أججت لظهور هذه الظاهر وإحياءها من جديد، والتي تمهد الطريق بأن يكون الخط الأول لتمويل فصائل مسلحة في المناطق المتنازع عليها وأيضاً قد يلجأ إليها مروجو المخدرات والتجار لإستغلال المتسولين، في مساعدتهم على بيع المخدرات وترويجها بين أفراد المجتمع.
سنتناول في مقالنا هذا حول ظاهرة التسول والنبش في القمامة التي يقوم بها فئة من المجتمع والتي بكل تأكيد يقف وراءها جملة من العوامل وأيضاً جهات مستفيدة منها.
بداية نتعرف بماهو مقصود بالتسول والذي يعرف بطلب المساعدة بالمال أو بأشياء أخرى بأكثر من طريقة. فالتسول يوحي إلى وجود مجتمع إتكالي كسول بعيد عن العمل والإنتاج وولادة جيل بلا أخلاق وقتل عزة النفس وعدم حفظ ماء الوجه وغير مبالي بمشاعره ونظرة الأخرين إليه، إضافة إلى جعل الشخص المتسول عدواني يلجأ للسرقة والقتل والانحرافات السلوكية الأخرى، فإما أن تعطي المتسول برضاك وتفلت من الشتائم التي يلسنها أو غصباً عن إرداتك تتحمل الشتائم وشد الملابس.
هذه الظاهرة التي افسدت المظهر الاجتماعي للمنطقة، والتي لاقت سخطاً اجتماعياً لدى الكثير من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي مخاطبين الجهات المسؤولة بإيجاد حلول للقضاء على هذه الظاهرة اللاأخلاقية والتي باتت خارج حدود الضبط.
إلى أن السبب الرئيسي للتسول هو الفقر الشديد وقلة فرص العمل ، إلا أنه وفي مناطق الإدارة الذاتية التي تنعم بالأمن والإستقرار وتوافر فرص العمل نجد أن هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير سواء كما أسلفنا بالتسول أو بنبش القمامة من مكبّ للنفايات إلى آخر، وإلتقاط عبوات المشروبات الغازية الفارغة أو البلاستيك، أو أي شيء آخر يمكن بيعه وكسب بعض النقود من بيعها، إضافة لبعض الأطعمة التي يرميها السكان في تلك الحاويات، وكأن الكثير منهم قد أمتهن هذه الظاهرة فنلاحظ الكثير من الشباب ومن هم في صحة جيدة تؤهلهم للعمل يسلكون هذا الطريق ويرونها أسهل من أي عمل آخر فتراهم ملازمين بكثرة عند إشارات المرور، مواقف السيارات، الأماكن العامة والمزدحمة، عيادات الأطباء وكذلك في فترة الصباح والمساء تراهم على حاويات النفايات، ويتوجه الكثير من المتسولين الذين لايحصلون على مكان مناسب ليقفوا به، إلى المناطق السكنية والبيوت، لطرق الأبواب والتسول من الأهالي، بعد إبراز، أوراق طبية مزورة تشير لحاجتهم الى إجراء عملية جراحية او ماشابه.
ترى إذاً هل الفقر المدقع هو السبب أم هناك جهات أخرى تقف وراءها وتستفيد منها؟!..
أفادت بعض المصادر الخاصة عن إندفاع بعض المجموعات المرتبطة مع أجهزة الحكومة السورية لاستغلال عدد كبير من الأطفال الذين ليس لديهم معيل أو مسؤول أو حتى بعض الشباب والعائلات المنتمين بولاءهم للحكومة السورية، عبر تشغيلهم في مهنة التسول واستثمار رابح، مقابل إعطاءهم مبالغ ضئيلة جدا تؤمن لهم الطعام والإقامة، فضلاً عن تشويهها صورة الإدارة الذاتية ولفت الانتباه وعكس الظاهرة لتبين فقر هذه المناطق ولجوءهم إلى التسول ونبش القمامة.
وتفيد بعض المصادر أن غلة المتسولين تصل في اليوم الواحد مابين 30-50 ألف ليرة سورية، فيما بيع الكيلو من النايلون بـ 200 ليرة، أما الكيلوغرام الواحد من الخبز المجفف يباع بـ150 ليرة، بينما تكون أسعار الحديد والنحاس أغلى من غيرها.
وقال مصدر من مكتب حماية الطفل التابع للإدارة الذاتية إنَّ مئات العائلات الفقيرة لا سيما النازحة تسحب أبناءها من المدارس وتوجههم للعمل في جمع النفايات البلاستيكية ونبش القمامة أو في التسول ضمن شوارع المدينة، حيث رصدت الجهات المختصة أكثر من 200 طفلاً، ما بين جامعين للقمامة البلاستيكية ومرتادي مكبات النفايات، في ظل غياب المنظمات الإنسانية المعنية بشؤون الطفل دون طرح أي مشروع لحمايتهم أو توعية ذويهم.
ورغم الانتشار الكبير لمثل هذه الحالات إلا أنَّ الإدارة الذاتية لم تتخذ أي إجراء للحد من ظاهرة التسرب المدرسي أو عمالة الأطفال، مما يسهل على بعض العائلات حِرمان أطفالهم من حقهم في التعليم وإجبارهم على التوجه لمكبات النفايات أو المهن الشاقة، في الوقت الذي فتحت فيه الإدارة الذاتية مجالات عمل وتوفر فرص عمل لكل من يجد في نفسه القدرة والكفاءة لمن هم في سن العمل.
فيما يرى الكثير من الأطباء أن مكب النفايات هو “بؤرة للأمراض الجلدية والتنفسية ومسكن لذبابة الرمل التي تسبب لسعتها مرض اللاشمانيا، وأن العاملين بمهنة نبش القمامة عرضة للإصابة بفيروس الكبد الوبائي نتيجة تعاملهم مع أدوات حادة كشفرات حلاقة وحقن طبية قد تجرحهم فتجرثم الدم أثناء عملهم.
الأطباء وغيرهم من المواطنين الذين يلقون اللوم على هؤلاء الأشخاص، يرون من الضرورة وضع حلول معيشية لتلك العائلات وتوفير موارد دخل لأفرادها، للحد منها والتي تؤثر على الأمان والإستقرار، فالكثير من المواطنين متخوفين من إقدام تلك الأشخاص على سرقة منازلهم أو سرقتهم أثناء مرورهم في الأسواق والأماكن العامة.
كما يرون وجوب إيجاد مكاتب رصد وإبلاغ من قبل الإدارة الذاتية لأجل القيام بالإجراءات اللازمة.
مشاركة المقال عبر